عبداالله غلّ: هل «تراجَع» عن الترشُّح.. أم أُجبِر على ذلك؟

ليس ثمة مرشح «ثقيل» لدى أحزاب المعارضة التركية, قادر على هزيمة الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان. حتى لو أعلن اكبر هذه الأحزاب وهو حزب الشعب الجمهوري يوم غدٍ ترشيح زعيمه «كمال يلتشدار أوغلو»، لخوض «معركة» تبدو محسومة لأردوغان, الذي يُمكِنه – بعد فوزه شبه المؤكّد – البقاء في قصره الرئاسي الفارِه ذا «الألف غُرفة» حتى العام 2028 ،بعد تمريره «الصعْب» للاستفتاء بتحويل النظام البرلماني الى رئاسي, يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة ويُهمّش فيه دور البرلمان, حيث لم تتجاوز نسبة تأييد الاستفتاء عتبة الـ(51 ،(%ما اثار التكهنات بقدرة المعارضة – لو اتّحَدت وهي لم ولن تتحد ــ على إلحاق هزيمة بأردوغان وحزبه, في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كان مقرّرا إجراؤها في خريف العام 2019 ،لولا الصفقة – إقرأ التواطؤ- التي عقدها اردوغان مع دولت بهشلي، زعيم الحركة القومية اليمينية, بـ»تبكير» موعد الانتخابات, لتصبح في الرابع والعشرين من حزيران القريب، ما شكّل – ضمن امور اخرى – ضربة مسبَقة للمعارضة, التي وان كانت تعاني تصدعات وانعدام ثقة واحقادا مُتبادَلة, الا انها «ربما» كانت ستنجح بعد عام ونصف من الان, بتوحيد صفوفها والتقدّم بمرشح واحد لمنافسة اردوغان.. لكن هذا بات وراءنا.

 
ما علينا.. بإقرار موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، شخصَت الانظار الى عبداالله غلّ رئيس الجمهورية السابق و»شريك» اردوغان الأبرز في تشكيل حزب العدالة والتنمية, الذي ما يزال يحكم قبضته على السلطة منذ العام 2002 وسط أجواء سياسية محتقنة, تشي بأن غُلّ هو الوحيد القادر على هزيمة اردوغان, او اقلّه تحويل نصر الاخير – إن فاز – الى فوز بطعم الهزيمة، إلاّ ان ضغوطاً هائلة مصحوبة بحملة مُنسّقة, تفوح منها رائحة الانتهازية السياسية, قام بها مَنْ كان يُعتقَد انهم «رفاق» غل في محنة الإبعاد عن الحزب الذي شاركوا في تأسيسه, وخصوصا بولنت ارينج نائب رئيس الوزراء الاسبق, كما أحمد داود أوغلو الذي جاء به غلّ ليكون مستشاره السياسي, ثم دعَمه للوصول الى منصب وزير الخارجية, الى ان تبوأ رئاسة الوزراء,ما لبث اردوغان ان اطاحه وارسله الى صحراء العزلة ، لكنهما – اوغلو وارينج – اغتنما الفرصة لتجديد «ولائِهما» لأردوغان,عبر الغمز من قناة غلّ والعيب عليه لِمجرّد الـ»تفكير» بمنافسة اردوغان, وأعلنا انهما لن يدعما غلّ للترشح, بل قيل انهما ذهبا الى منزله لـ»إقناعِه» الى جانب قيادات من الجيش والمخابرات بعدم الترشح, وذهبا بعيدا في النفاق لأردوغان, عندما قال بولنت ارينج بعد اعلان غلّ عدم ترشّحِه:» الامور اصبحت مريحة بشكل أكبر، ولكن حتى لو ترشّح غلّ, فإن اردوغان كان سيربح.فيما اعلن داود اوغلو مُنظِّر دبلوماسية «صفر مشكلات « التي اصبحت مثار سخرية وتهكّم, بعد الاستدارات والأطماع العثمانية العدوانية التي ميّزَت سياسات أنقرة, وبخاصة بعد اندلاع الأزمة السورية, «دعمه للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة».زاعِماً في زهو وتزلف واضِحين»انه لن يُمارس السياسة إلاّ تحت سقف حزب العدالة والتنمية الحاكِم». ليس ثمة شكوك إذاً، بأن الفرصة واتت الذين أبعدهم اردوغان عن السلطة، لِيطعنوا غلّ ويتركوه لمصيره, مُجترّاً مرارة الخذلان و»هاجِراً» السياسة نهائياً, على نحو يميز تاريخ وإرث السياسة التركية منذ اعلان الجمهورية في العام 1923 ،وبخاصة بعد انخراط العسكر في اللعبة ، بادّعائهم «حراسة» إرث اتاتورك العلماني, الى ان جاءَهم «الاسلاموي» اردوغان وشريكه الاقرب غلّ, ولتبدأ فور وصول اردوغان لرئاسة الوزراء, «حفلات السكاكين» داخل الحزب, لِيُحْكِم (اردوغان) قبضته على الحزب, ويحرِم غلّ قبل يوم واحد من مغادرته قصر بشقايا الرئاسي (الذي تحوّل الى مقر للحكومة) من رئاسة حزب العدالة والتنمية, باختيار داود اوغلو رئيساً, ثم يُطاح الاخير لصالح بن علي يلدريم، الذي شارك هو الآخر في «طعن» غلّ عندما قال بِتهكُّم: «كنت أُفضّل ان يقول غلّ منذ البداية... انني في خدمة حزبي». غلّ الذي لم يُخفِ مرارته مما لحق بصورته من تشويه، فضّل الإتّكاء على عدم «توافق» المعارضة على ترشيحه للرئاسة، بعد ان اعلنت ميرال اكشنر زعيمة الحزب الجيّد (او الخيِّر في ترجمة اخرى) حديث التأسيس والمكون من منشقين عن الحركة القومية المتحالفة مع اردوغان, إصرارها على الترشّح كذلك مرشح حزب السعادة (حزب اربكان) وحزب الشعب الجمهوري. لكن «ذريعة» غُّل تكشّفَت عندما أدلى بتصريح يستبطِن غضبا مكتوما: «وصلت الى أعلى المناصب التي يحلم بها اي شخص، وقد خدمت بلدي بشرف.لا أنا ولا أي فرد من عائلتي, سيُمارِس او سيُنافِس على اي عمل سياسي... بعد الآن». هو إذاً.. اعتزال مُبكر لسياسي وحزبي مخضرم، تمايز وتميّز عن شريكه في التمرّد على «المُعلّم» اربكان, لكنه ابدى رصانة وهدوءا وتوسّل اساليب ومقاربات متّزِنة, ولم يذهب بعيداً في الخصومة او يُشارك في «حفلات السكاكين» التي لم تتوقف داخل أروقة ودهاليز الحزب الحاكم، ليجد نفسه في النهاية, خارج الفعل والتأثير وانفضاض الذين ظنّ كثيرون, انهم يؤسّسون لمشهد سياسي تركي جديد.. مِن حولِه في السطر الاخير.. اكتسب حزب العدالة والتنمية شعبية كبيرة منذ وصوله الى الحكم، بعد ان قام بإلغاء قانون الطوارئ، الذي فرضه انقلاب الجنرال كنعان إفرين، منذ ثمانينيات القرن الماضي, لكن المثير للسخرِية هو ان الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في 24 حزيران القريب, تجري في ظل قانون الطوارئ ذاته, الذي قام أردوغان بإعادته بعد محاولة الانقلاب الفاشل التي جرت في 15 تموز 2016. فتأمّلوا.. رعاكم اا