في يوم حرية الصحافة

 يحتفل العالم غدا باليوم العالمي لحرية الصحافة ، وهي المحطة السنوية الي يتم فيها إستعراض واقع الصحافة والمكتسبات التي تحققت على صعيد الحريات الإعلامية والتهديدات التي يواجهها الصحفيون والتضحيات التي يقدمونها لتزويد الناس بالحقائق ودفاعا عن حقهم في معرفة مايجري حولهم. وقد شهدت الحريات الصحافية على الصعيد العالمي تحديات كبيرة في المرحلة الماضية نتيجة خطاب الكراهية الذي يتبناه ساسة عالميون مؤثرون مثل الرئيس الأميركي ترمب الذي لايترك مناسبة تمر دون التهجم على وسائل الإعلام والسخرية منها والتشكيك في مصداقيتها إلى الحد الذي أصبح لايستعمل فيه كلمة الإعلام إلا إذا أعقبها بكلمة « الكاذب ». كما أنه لايقيم وزنا للحديث مع وسائل الإعلام المعروفة مثل التلفزة والصحف والمواقع الإلكترونية بل يخاطب العالم من خلال « تويتر» الذي غدا المنبر الوحيد الذي يستطيع الناس من خلاله معرفة مواقف ترمب وقراراته ، فقد أقيل وزير الخارجية الأميركي السابق ريك تيلرسون وتم الضغط على كوريا الشمالية من خلال هذا المنبر حتى رضخت وإستجابت للحوار ولوقف تجاربها النووية. وقد أدى إنتشار خطاب الكراهية الموجه ضد الصحافة والصحفيين إلى تشجيع زعماء وقادة آخرين إلى إعلان عدائهم السافر على وسائل الإعلام ، فرئيس الفلبين رودريغو ديتورتي يتعمد شتم وتهديد وسائل الإعلام الإخبارية في مناسبات عديدة مطلقا تحذيره بالقول: أن تكون صحافيا أمر «لا يحميك من الاغتيال». وتزايد خطاب الكراهية ضدّ الصحافيين في الهند على شبكات التواصل الاجتماعي.وتضاعف العنف اللفظي ضدّ الصحافة في أوروبا، رغم أنها الأكثر ضمانا لحرية الصحافة. ففي شهر تشرين أول الماضي ظهر موريس زيمان رئيس تشيكيا خلال ندوة صحفية، مُشهرا بندقية كلاشنكوف مزيفة كُتبت عليها عبارة «هذه للصحافيين». إن موجة الكراهية ضد الصحافيين تعد الآن من أخطر التهديدات للمكتسبات التي تحققت على صعيد حرية الصحافة التي نحتفل غدا بيومها العالمي.ويتحمّل المسؤولون السياسيون الذين يغذون العداء للصحافة مسؤولية كبرى عن إنتشار هذا الجو المعادي للحريات الإعلامية على الصعيد الدولي مما يجعل ممارسة هذه المهنة الخطيرة أصلا عملا متهورا غير محسوب العواقب.

 
ولاشك أن منطقتنا العربية تأثرت بهذه الموجة فإزدادت حالة الإستقطاب في وسائل الإعلام العربية بسبب الحروب والفوضى والإنقسام والتشظي الذي تعيشه بلداننا، وتراجعت معايير الإستقلالية والتعددية والمهنية وأصبحت الحريات الإعلامية ترفا ليس من اللائق إثارته عندما تواجه الأوطان تحديات وجودية. كما فقدت المؤسسات الإعلامية الرصينة بعضا من مكانتها لدى المواطنين وحلت مكانتها وسائل التواصل الإجتماعي التي أصبحت الوسيلة الأهم في تشكيل قناعات الرأي العام. فالصحافة المطبوعة تواجه تحديات كبرى ، وليس أدل على ذلك من أن واحدة من كبريات الصحف العربية، ألا وهي صحيفة الحياة ، قد أوقفت نسختها الورقية المطبوعة وإكتفت بالنسخة الإلكترونية ، كما فقد التلفاز جزءا من مكانته لصالح شاشات الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة. والمفارقة أن الحكومات تطبق على رقاب المؤسسات الإعلامية الرصينة مع أنها لم تعد الجهة الأساس في تشكيل الراي العام ، فقد إنتقلت هذه المهمة لعدة اسباب ، منها تقلص هامش الحريات الذي سببته الحكومات نفسها، إلى وسائل التواصل الإجتماعي. والمشكلة أن هذه الوسائل لاتعد وسائل محترفة ولايتوقع منها ذلك ، فهي في الأساس منابر للتواصل والتشبيك بين الناس ، ولكنها أصبحت تحل محل وسائل الإعلام التقليدية في قيادة ووتشكيل الراي العام. لقد دأبت الحكومات على التضييق على وسائل الإعلام الرصينة ، وها هي تجني ثمار أعمالها من ضعف تأثير هذه الوسائل وتربع وسائل تواصل فردية وإجتماعية على كرسي تحريك وقيادة الراي العام. هذا بإختصار واقع الحريات الصحافية في العالم في يوم حرية الصحافة ، وهو واقع لايسر صديقا ولايفرح محبا.