جواد العناني يكتب :استثمارات العقبة

أتذكر المرحوم فرحي عبيد حين كان "قائممقام" في العقبة، أو مدير ناحية. كان أيامها يسكن في براكية زينكو على الشاطئ الذي لم يتجاوز طوله (6) كليومترات. ولولا "مطعم الفار" للسمك، والشوادر المنصوبة، وبعض قوارب الصيد، وأكواخ التنك في حي الشلالة، لما كان في العقبة الكثير الذي يذكر سوى قلعتها، وقصر المرحوم الشريف الحسين بن علي.
انظرْ إلى العقبة الآن، وقارنها حتى بجارتها "إيلات" على الجانب الآخر. لقد تطورت العقبة في السنوات العشرين الأخيرة تطوراً كبيراً، وشهدت نهضة عمرانية لا مثيل لها في العقد الأخير، ومنذ إعلانها منطقة اقتصادية خاصة.
لقد ساهم كثيرون في جعل العقبة كما هي عليه اليوم، وهنالك جنود كثيرون أسهموا في ذلك.
فالمرحوم الراحل الملك الحسين بنى له قصراً هنالك، واستمر في توسعته حتى قبيل وفاته. وقد عقد اجتماعين مهمين في العام 1997 مع مجلس الوزراء، واحداً في عمان وآخر في العقبة بقصد الموافقة على الخطة الشاملة لتطوير العقبة، والتي ساهم في وضعها وأشرف عليها بكل تفانٍ رئيس سلطة إقليم العقبة آنذاك الدكتور فايز الخصاونة، وكانت تلك هي الخطة التي أقرها مجلس الوزراء برئاسة الدكتور عبد السلام المجالي.
وكنت مشاركاً وشاهداً على هذا الإنجاز بصفتي نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ورئيساً للجنة التنمية الوزارية.
ولا ننسى قبل ذلك أن المرحوم وصفي التل، وبرعاية كريمة من الراحل الحسين بن طلال، عمل على ترسيخ ميناء العقبة معبراً بحرياً للأردن حتى نتخلص من قيد إغلاق الحدود علينا من الشمال. وقد نجح في ذلك نجاحا كبيراً.
ولما تسلم الملك عبدالله الثاني مقاليد الأمور في العام 1999، عمل بكل جد ومثابرة من أجل تحويل المنطقة الاقتصادية في العقبة إلى ميناء متعدد الأغراض؛ سياحةً ونقلاً واستثماراً وتجارة.
ويعتقد بعض المحللين أن ما استثمر في العقبة ليس له مردود حتى الآن. وهذا كلام يجانب الحقيقة، كما يقيّم ما جرى هنالك من زاوية الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الأردني. ولكن العقبة لم تكتمل مشاريعها، ولم تنته بعد مشاريع الإسكان، والجامعات، والمستشفيات، والمعبر، والميناء، ومتى ما انتهت هذه كلها، فإن العقبة ستصبح حاضرة من حواضر الأردن.
قد نختلف في أسلوب العمل، وفي اختيار الأولويات، وفي مقترباتنا. في أسلوب تنفيذ المشاريع، ولكننا يجب أن نتفق على الأقل أن العقبة هي ميناؤنا الوحيد، وطول شاطئها لا يتعدى (24) كيلومتراً، والتنافس على استخداماته كبير.
ولكن العقبة نفسها، قد ازدادت فنادقها، وأسواقها، وسكانها، ونشاطاتها التجارية والصناعية.
ويستحق المهندس علي أبو الراغب أن يذكر اسمه هنا، لأنه تحمس لإنجاز قانون المنطقة الخاصة بصفته رئيساً للجنة المالية في مجلس النواب، والتي أحيل إليها القانون آنذاك، ولمتابعته للأمر بعد ذلك لمّا صار رئيساً  للوزراء.
ويستحق عقل بلتاجي، أيضاً، كل تقدير على جهوده، بصفته من الذين عملوا بجهد كبير هنالك، لما كان رئيساً (للأسيزا)، أو منطقة العقبة  الخاصة.
هذه الجهود كلها لن تذهب هباءً. ما بنيناه في العقبة حتى الآن هو البنى الأساسية المطلوبة، والتي ستتحول إلى أرصدة عاملة مُدِرَّةٍ للدخل حين تنجز المشاريع.
العقبة ستكون ركناً من أركان الاقتصاد الأردني، ومن تكن نفسه فيها جمال يرى الأشياء الجميلة كذلك.