معالي عامل الوطن
مساء الأربعاء الماضي نظمت مبادرة "مش عيب" لقاء حواريا برعاية أحد عمال الوطن في أمانة عمان الذي رعى اللقاء وهو يلبس لباس العمل بألوانه البرتقالية، وبحضور مجموعة من الوزراء والإعلاميين والفنانين والنواب وفعاليات أخرى. وكان الحديث حول ثقافة العيب والعمل في كل المهن.
وما يلفت الانتباه ما ذكره وزير الزراعة سمير الحباشنة من أن عمال الوطن في مدينة الكرك قبل عدة عقود، كانوا من أبناء المدينة وعائلاتها. وقد أطلق على راعي الحفل لقب معالي باعتبار اللقب قيمة وليس وظيفة. وما لم يقله في هذا المجال أن أبناء العشائر والوجهاء هم من كانوا يعملون في مصالحهم والتي كانت رعي الغنم وحراثة الارض وحصادها. وأن العمال الذين كان أحدهم يسمى "مرابعي" كانوا يعملون يدا بيد مع اصحاب الأرض والحلال.
ومما قاله الفنان عبد الكريم القواسمي عن أحد كبار شيوخ العشائر الأردنية أنه كان يوما يعمل بيده ويحمل مجرفة، فاستغرب أحد ممن حوله هذا الفعل، فقال الشيخ: "اللي بتكبر به اعمل أو افتخر به". أي أن الأردنيين كانوا في وضع اقتصادي متواضع وكانت أحوال الناس ليست عظيمة، وكانت سنوات المحل وضعف المطر تجبر الناس على بيع أغنامهم وأبقارهم. وعندما جاء التجنيد في الجيش والفرسان كان الشباب يهربون من الفقر والجوع إلى الوظيفة التي تؤمن لهم راتبا شهريا.
علينا أن نعترف أن مشكلة البطالة لدينا تعود إلى أننا شعب يحب أن يكمل دراسته الجامعية، وهذه نقطة تحسب للأردنيين لا عليهم. وعندما يحرص الأردني على بيع أرضه والاقتراض ليعلم ابنه او ابنته، وأحيانا يحرم نفسه وعائلته من أساسيات الحياة لينفق على ابنه في الجامعة، فإنه يقدم خدمة لابنه والمجتمع. فليس مطلوبا ان نتوقف عن التعليم حتى نحل مشكلة البطالة. وليس الحل ان نقنع كل شاب ان يعمل عامل وطن أو في فندق أو مطعم أو كازية رغم أنها أعمال كريمة، لكن المطلوب أن يكون المجتمع والأهل والشاب واقعيين، ونعني بهذا أن يحرص على التعليم وبعد التخرج يبحث عن وظيفة تتناسب مع تخصصه، لكن إن لم يجد فلا يتردد في القبول بأي فرصة عمل، أي أن لا يرضى أن يكون عاطلا عن العمل إلى أن يجد فرصة عمل وفق تخصصه.
الواقعية ليست نقيضا للرغبة والحرص على التعليم، لكنها ثقافة تجعل أي شاب لا يرضى أن يكون اليد السفلى، بل اليد العليا التي لها دخل وتنفق منه. ليس مطلوبا من أي شاب يجد فرصة تتناسب مع تخصصه أن يبقى يعمل عامل وطن.
التعليم نقطة تسجل للمجتمع، لكن الشهادة ليست سجنا يضع الشاب فيه نفسه ليبقى عاطلا عن العمل حتى يجد وظيفة يحبها. ليس الحل أن نترك التعليم ونصبح كلنا عمال وطن وعاملين في المهن اليدوية على فضل تلك المهن، لكن المطلوب أن نكون مثل مجتمعات شقيقة نجد شبابها في بلادنا يقبلون بأي عمل وهم حملة الشهادات، ولا يقبلون بالبطالة ومد اليد، لكنهم يبقون أصحاب طموح في العمل بتخصصاتهم وأن يكونوا أصحاب أعلى المراكز.