عصر السلام الكوري
عصر السلام الكوري
والجنون الأمريكي
لقد كان منظرا يبعث على الإرتياح لكل محبّي السلام في العالم وهم ينظرون لصورة الزعيمين الكوريّين وهما يرفعا ايديهما متشابكتين ويصرِّحان للملأ ان هناك عهدا جديدا للسلام سيكون من نتائجه شبه جزيرة كوريّة خالية من السلاح النووي وقد بدأ التاريخ الكوري منذ اليوم .
احتُلت شبه الجزيرة الكورية من طرف اليابان في 1910, وفي عام 1945أعلن الاتحاد السوفيتي الحرب على اليابان وتقدمت قواته إلى كوريا, ومع أن إعلان الحرب كان متفقًا عليه مع الحلفاء الغربيين في مؤتمر يالطا، فقد كانت الولايات المتحدة قلقة من احتمال سقوط كوريا في قبضة السوفييت, ولهذا طلبت الحكومة الأمريكية أن توقف القوات السوفيتية تقدمها عند خط العرض 38 شمالًا، تاركة جنوب شبه الجزيرة، بما فيه العاصمة سيؤل، لتحتلها القوات الأمريكية.
أخذت حكومة الولايات المتحدة القضية إلى الأمم المتحدة، وهو ما قاد إلى تشكيل لجنة الأمم المتحدة المؤقتة حول كوريا في 1947. عارض الاتحاد السوفيتي هذه الخطوة ورفض عمل اللجنة الأممية في الشمال,نظمت لجنة الأمم المتحدة المؤقتة انتخابات عامة في الجنوب عام 1948, تأسست جمهورية كوريا وأصبح سينغمان ري رئيسًا، لتَحل الجمهورية محل الاحتلال العسكري الأمريكي بصفة رسمية, وفي الشمال تأسست جمهورية كوريا الديمقراطية في الشمال، وشغل كيم إل سونغ منصب رئاسة الوزراء, غادرت القوات السوفيتية المحتلة الشمال ، وغادرت القوات الأمريكية في العام التالي.
ونتيجة لذلك، قامت في شبه الجزيرة الكورية دولتان تتعارضان سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا, واعتبرت كلا الحكومتين المتعارضين نفسها حكومة على كل كوريا، ورأت كلتاهما التقسيم مؤقتًا. أعلنت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية سيئول عاصمة لها، ولم يتغير هذا الموقف حتى 1972.
غزت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية عام 1950، وتمكنت من اجتياح معظم البلاد, حيث تدخلت قوة الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة لحماية الجنوب، وتقدمت بسرعة إلى داخل الأراضي الكورية الشمالية, وبينما كانت القوات الأممية تقترب من الحدود الصينية، انضمت الصين للقتال، لتتحول دفة الحرب مرة أخرى, انتهى القتال عام 1953 بهدنة استعادت تقريبًا نفس الحدود السابقة بين الشمال والجنوب, رفض سينغمان ري التوقيع على الهدنة، لكنه وافق على مضض على التقيد بها, وأدت الهدنة إلى وقف رسمي لإطلاق النار لكنها لم تؤدي إلى معاهدة سلام, وبذلك تأسست المنطقة الكورية منزوعة السلاح، وهي منطقة عازلة بين الجانبين.
نزح الكثير من الناس عن موطنهم نتيجة لهذه الحرب، تقسمت أسر كثيرة بسبب الحدود التي أعيد رسمها, وفي عام 2007 قُدر أن هناك 750,000 شخص افترقوا عن أقربائهم، وأصبحت اجتماعات لم شمل الأسر المشتتة أولوية دبلوماسية.
أصبح التنافس بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية عنصرًا أساسيًّا في عملية اتخاذ القرار في الدولتين, فقرار إنشاء مترو بيونغ يانغ حفز إنشاء مترو في سيئول.
تصاعدت التوترات في أواخر الستينات في سلسلة من الاشتباكات المسلحة منخفضة المستوى، عُرفت باسم نزاع المنطقة الكورية منزوعة السلاح, في هذه الفترة، شنت كوريا الجنوبية عدة غارات سرية على الشمال, وفي عام 1968 هاجمت فرقة مغاوير كورية شمالية القصر الرئاسي في كوريا الجنوبية والمسمى بالبيت الأزرق, كذلك وقع اختطاف لطائرات ركاب جنوبية في عام 1969.
خلال التحضيرات لزيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الصين في 1972، شرع الرئيس الكوري الجنوبي بارك تشانغ-هي في الاتصال سرًّا بالرئيس الشمالي كم إل سونغ, وفي عام 1971، عُقدت أولى محادثات الصليب الأحمر بين الكوريتين, كان العديد من المشاركين إما مسؤولين في الحزب أو المخابرات, وفي عام 1972، قابل لي هو-راك، مدير المخابرات المركزية الكورية، كم إل سونغ في بيونغ يانغ, واعتذر كم إل سونغ على الغارة على البيت الأزرق، منكرًا موافقته عليها, وفي المقابل، زار النائب باك سونغ-تشول سيئول سرًّا, وصدر البيان الكوري الجنوبي-الشمالي في عام 1972حيث أعلن البيان المبادئ الثلاثة لإعادة التوحيد: أولًا: يجب حل قضية التوحيد باستقلالية دون تدخل أو اعتماد على القوى الأجنبية؛ ثانيًا: يجب تحقيق إعادة التوحيد بسلمية دون استخدام القوى المسلحة؛ وأخيرًا، إعادة التوحيد تتجاوز الاختلافات الأيديولوجية والمؤسساتية من أجل تعزيز توحيد كوريا كمجموعة إثنية واحدة, وقد أدى هذا الإعلان أيضًا إلى إنشاء أول خط ساخن بين الجانبين.
علَّقت كوريا الشمالية المحادثات في 1973 بعد اختطاف زعيم المعارضة الكوري الجنوبي كم داي-يونغ على يد المخابرات المركزية الكورية, إلا أن المحادثات عادت مرة أخرى، وبين 1973 و1975 اجتمعت لجنة التنسيق الجنوبية-الشمالية 10 مرات في بانمونجوم.
في نهاية عقد السبعينيات، قدَّم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر مقترحًا لإحلال السلام في كوريا، إلا أن خططه لم تثمر النتيجة المرجوة نتيجة للاعتراض المثار على مقترحه الذي تضمن سحب القوات.
في 1983، قدَّمت كوريا الشمالية مقترحًا لإجراء محادثات ثلاثية مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وهو ما توازى مع محاولة اغتيال الرئيس الكوري الجنوبي, لم يفسَر هذا السلوك المتعارض قط.
في سبتمبر 1984، أرسل الصليب الأحمر الكوري الشمالي إمدادات طوارئ للجنوب بعد فيضانات هائلة. تواصلت المحادثات في اجتماعات لم الشمل الأولى للأسر المفرقة في 1985، بالإضافة إلى سلسلة من التبادلات الثقافية,إلا أن الأجواء توترت على أثر التدريبات العسكرية الأمريكية الكورية المشتركة في 1986.
وهكذا كان الحال خلال الثلاثون سنة الماضية بين شدِّ وجذب الى أن جاء الرئيس الأمريكي ترمب حيث بدأ بالتصريحات العنترية عام 2017 ضد كوريا الشماليّة وتصاعدت تلك التصريحات بعد التجارب التي اجرتها على الصواريخ البلستيّة ونتيجة تدخل عدة دول لتخفيف موجة التهديدات المتبادلة بين كوريا الشمالية وترمب المعروف بتشدُّده والذي لم يستجب للرئيس الفرنسي لتعديل مواقف ترمب حول التغير المناخي او حول الملف النووي الإيراني كما لم يستجب للمستشارة الألمانية ميركل حول ملف التجارة والرسوم الجمركية على حديد التسليح او على الإتفاق النووي مع إيران وبالرغم من تلك السياسة المجنونة بدى على الرئيس ترمب تجاوبا بخصوص موقف امريكا من كوريا الشمالية متذرعا بضرورة إنهاء محاولات بيونغ يانغ إمتلاك قنبلة نووية او محاولاتها تكرار تجارب الصواريخ البلاستيّة وتهديداتها في شبه الجزيرة الكوريّة وهكذا عقدت القمّة التاريخيّة بين زعيمي الكوريتين بانتظار ان تتم القمّة بين زعيمين لم يُعرف عنهما سوى التطرُّف والجنون والإرهاب والرغبة في تدمير العالم وهما الأمريكي والكوري الشمالي .
اللهم إهدي زعماء العالم لما هو افضل لعبادك ليعيشوا بسلام وحريّة وكرامة , واحفظ بلدنا ارضا وشعبا وقيادة من أيِّ مكروه .
أحمد محمود سعيد
البناء الأخضر للإستشارات البيئيّة
ambanr@hotmail.com
29/4/2018