"العافيةُ عشرةُ أجزاءٍ كُلُّهَا في التَّغَافُلِ"
"العافيةُ عشرةُ أجزاءٍ كُلُّهَا في التَّغَافُلِ".
بقلم "هبة احمد الحجاج"
قال الشافعي: لما عفوتُ ولم أحقِدْ على أحدٍ *** أرحتُ نفسي مِن همِّ العداواتِ إني أُحيِّي عدُوِّي عندَ رؤيتِه *** لأدفعَ الشرَّ عني بالتحياتِ وأُظهرُ البِشْرَ للإنسانِ أُبغِضُه *** كأنما قد حشَى قلبي محباتِ النَّاسُ داءٌ، وداءُ النَّاسِ قُربُهمُ *** وفي اعتزالِهمُ قطعُ الموداتِ
كل انسان في هذه الحياة ، لديه قلب ينبض في دقيقة الواحدة (80-90)نبضة ، كلنا لا نعلم في هذة الدقيقة قد تمتزج مع هذة النبضات شعور بالقهر بالوجع او بحرقة تشعر ان قلب قد احترق او لا قدر الله قد توقف وسبب موقف او كلمة او حتى نظرة قد تسببت في طعني هذا القلب، وقد تشعر ان دقاته اصبحت سريعة وانك تكاد تختنق ،
وتصبح تبكي وما تشعرين به من ألم عند البكاء وأن قلبك يؤلمك، هذا
ناتج من انقباضات عضلية، فعند البكاء يزيد الانفعال لدى بعض الناس ويزيد التوتر، ومن خلال عمليات
بيولوجية ونفسية وعاطفية وسلوكية تحدث انقباضات عضلية، هذه الانقباضات العضلية في منطقة الصدر وفي منطقة القلب هي التي تؤدي إلى الشعور بالألم لدى بعض الناس.
نحن الناس خلقنا ضعفاء مهما بلغت فينا القوة والجبروت لكننا نبقى ضعفاء بسبب قلوبنا ، قلوبنا كلاطفال تفرح وتبتهج عندما يثني علينا الاخرين ونشعر بالعزة ورفعة والعلو إننا مقبولين لدى الاخرين ومحبوبين في اعينهم ،
ولكننا في نفس الوقت اذا تأذينا من اقرب الناس الينا او حتى سمعنا قول يسيء لنا او نظرة عابرة كانت تمتزج بالتصغير وتقليل الشأن ، تضيق صدورنا وتتعب قلوبنا وتتدمع أعيينا ، وتصبح في قلوبنا بعض من البغضاء او حتى الكراهية اتجاه هؤلاء الاخرين ، وكأنا قلوبنا تقول لنا "
لا تسامحه فقد تأذيت منه بما يكفي " وكأن قلبك الذي ينبض في صدرك وضع نقطة سوداء في مكانه الذي كان يجلس ويتربع فيه ، وتحمل في قلبك الكره والحقد اتجاه هذا الشخص وتبدا بلابتعاد عنه وتجافيه وتقول في نفسك " هذا الانسان لا يستحقني ، او انت كثيرا عليه " وتبدا تقول في نفسك الكثير من العبارات حتى ترضي نفسك وتوصل نفسك الى مرحلة " يا ليتني لم اعرفه "،
قد تعتقد انك عالجة الموقف وان حياتك عادة كما هي
ولكن قد يصفعك شخص اخر بموقف اخر ويلقي لكِ شخص كلمة ربما تنهار في داخلك منها ، والكثير الكثير من الاشخاص والمواقف وقلبك يسجل ويضع النقاط السوداء في وسطها وتمتلاء شيئا فشيئا بالكره والحقد والبغضاء وكأن قلبك الطفل تحول إلى شبح كبير مخيف يريد أن ينتقم من جميع الأشخاص ، وسبب أنك لم تسامح بحجة أن قلبك تألم وظلم وجرح ، نعم صحيح قلبك كسر وجرح وظلم وتألم بدرجة كبيرة لكنه بسبب الاخرين قد يكون تسببوا في ذلك وادخلوا اليه هذه الاوجاع والالام لكنك لم تخرجها بل على العكس تماما ، أنت قمت كالمطرقة بتثبيت المسار في هذا القلب ، حتى ينغزه إذا تحرك ، وكأنه يقول له تذكر مواقفهم .
ما لم تدخل التسامح اليه ، في كل موقف تعرضت اليه
التسامح كالطبيب الذي يعمل على إلتيأم الجرح لأنه يعلم اذا بقي الجرح كما هو سيتعرض إلى بكتيريا والتي ستؤدي الى أضرار كبيرة وقد تؤدي إلى الموت .
وكذلك تسامح يصلح القلب قبل أن يصلح العلاقات بين الآخرين ، ويبقي القلب سليم خاليا من جميع الشؤائب كالحقد والكراهية والغضب التي قد تؤدي الى جعل الإنسان يدخل في امراضا نفسية وخيمة .
لا تظن أن التسامح مذله أو انتقاص من الكرامة بل يدل على الخلق العظيم والكريم الذي أصبح نادرا في هذه الحياة .
" جُبِل الناس على محبَّة ذواتهم و الإنتصار لأنفسه،
ومن ثَمَّ فإنها لا بُدَّ أن تنشأ بينهم بعض الخلافات وإن صغرتْ، وتتعدَّد منهم وجهات الأنظار وإن اقتربتْ، وقد تتطوَّر الخلافات وتبتعد الوجهات حتى تكون لجاجًا وخصامًا، ويتولَّد منها نزاع وشقاق، يحصل بعده تباعد وتنافر، تتعقَّد بسببه الحياة، ويفسد العيش، وتشحن القلوب، وتضيق الصدور،ويصبح الانسان لا يطيق أن يملأ عينيه برؤية أخيه، فإذا لمحه في طريقٍ سلك غيره، وإن جمعه به مجلس خرج مسرعًا وفارَقَه، بل قد يكونان من جماعة مجلس واحد فيتركانِه أو يتركه أحدهما، ويطول الهجر وتمتدُّ القطيعة، وتذهب الأيام والأعمال لا ترفع، وتمضي السنوات وما في الاجتماع مطمع، وقد تتعدَّد المحاولات من أهل الخير لإصلاح ما فسد ووصل ما انقطع، ومع هذا يظلُّ في النفوس شيء من الغيظ والموجدة، ويبقى التعامل من الجانبين مشوبًا بالحذر"
قال - سبحانه -: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
إن كلَّ عبد لا بُدَّ أن يذنب ويخطئ، ومع هذا فهو يحبُّ أن يغفر له ربُّه ويعفو عنه سيدُه، وإن العفو عن الناس لمن أسباب عفو الله عن العبد؛
فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر للمذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك
وَقَالَ كُثَيِّرٌ:
وَمَنْ لَمْ يُغْمِضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ ** وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
وَمَنْ يَتَطَلّـَبْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ ** يَجِدْهَا وَلا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ