إعلامنا وإدارة الأزمات

 لا شك بأن الأزمة تعني «ان تقرر» أو «لحظة القرار»، حيث تنشأ بشكل مفاجئ والى الاسوأ وتعتبر بمثابة خلل يؤثر تأثيرا شديدا على الفرد او المؤسسات او على المجتمع المحلي او الدولي. ولاننا نشهد اليوم التطور المتسارع للثورة الرقمية التي انبثق عنها الاعلام الرقمي من ثم الاعلام الجديد، ونشهد تدفقاً معلوماتياً تكنولوجياً هائلاً ومخيفاً نجد ان الاعلام يلعب دورا هاما في تأثيره على الاحداث التي يشهدها العالم كل يوم بل ومحركا لها.. وهذا يفرض على الوسائل الاعلامية بمختلف اشكالها ان تتعامل مع أي أزمة بحكمة وحرفية حتى يتم تجاوزها، فلربما تكون تلك الوسائل الملجأ الاول إن لم يكن الوحيد بالنسبة للافراد وبخاصة الانسان البسيط الذي يسعى دائما للتعرف إلى الازمة التي يواجهها محليا او اقليمياً او دوليا مهما كان نوعها وحجم تأثيرها وذلك من خلال الاعلام. وبما ان منطقة الشرق الأوسط تعتبر من اكثر المناطق توتراً في العالم من خلال ما شهدته من أزمات وحروب وصراعات وأحداث، اذن.. فانه يمكن القول ان الوسائل الاعلامية ( المرئي والسمعي والمقروء) اثناء تلك الازمات تكون امام اختبار حقيقي لان المتلقي يزداد اعتماده على تلك الوسائل وهذا الاختبار بمثابة قياس لمدى مصداقية تلك الوسائل ونقل صورتها الاعلامية الصحيحة. وفي الازمات ليس المهم «ماحدث» وانما الاكثر اهمية للناس «انه يحدث» وبالتالي لا بد ان يدرك اعلامنا كيف يخاطب اهتمامات الناس، وكما يُقال: «المهم اهتمامات الناس وليس الحقائق».. فعلى سبيل المثال عند اكتشاف مرض جنون البقر في بريطانيا عام 1990 حيث اصيب الناس بحالة من الهلع والهستيريا نتيجة نقص المعلومات الدقيقة عن هذا المرض ما ادى الى تصاعد الازمة، ولم تذكر وسائل الاعلام في ذلك الوقت حقيقة ان الابقار التي تصاب بهذا المرض لا تصبح مجنونة بالمعنى الحر للكلمة وانما ادى تداول وسائل الاعلام لكلمة الابقار وكلمة الجنون الى جعل الناس يعتقدون انهم سيتحولون الى ابقار ويصابون بالجنون على الرغم من ان الاسم الحقيقي للمرض هو BSE ولم يدرك الناس تلك الحقائق الا عند رجوع المرض في عام 1996 حين استوعبت الحكومة البريطانية قضية الواقع المدرك من وسائل الاعلام. ومن هنا استطيع القول ان اعلامنا بحاجة الى مزيد من التعزيز لادارة الازمات في المؤسسات الاعلامية لان الكوادر العاملة في المجال الاعلامي بحاجة لكل ما هو مطلوب لادارة الازمات حتى لا يجد نفسه فجأة في امتحان صعب بخاصة أمام الرأي العام.. واعتقد ان الاعلام عموما واعلامنا بوجه خاص ربما يكون طريق النجاح لتجاوز الازمة والخروج منها في حالة اعداد ادارة جيدة وقوية لمعالجة الازمات قبل واثناء وبعد حدوثها داخل المؤسسات الاعلامية نفسها، لانه لا يمكن لأي مؤسسة اعلامية الوصول الى ادراك الازمات الخارجية والقدرة على التعامل معها بكفاءة ومهنية اذا لم تستطع تلك المؤسسات ايجاد المقدرة في كيفية الوصول الى حلول جذرية لمعالجة ازماتها داخل اجهزتها الاعلامية نفسها. ويوجد قول شائع لدى الاعلاميين: «ما يحدث مرة يُعدّ حادثا واذا تكرر مرة اخرى يعد اتجاها واذا حدث ثلاث مرات يعد وباءً». فالاعلام يعتبر القائد الموجه الذي يخوض الازمات والصراعات وهو الرئيس الذي يستطيع الناس من خلاله معرفة الحقائق .