إسرائيل تسعى لاستمرار المحرقة السورية

الحث الإسرائيلي لواشنطن لشن هجوم على سورية، في الأيام الأخيرة، ظهر مفضوحا أكثر من أي وقت مضى. وحتى ظهر الأمر كإلحاح، على ألسنة "محللين عسكريين" عرفناهم على مر السنين، أنهم ليسوا أكثر من أبواق غير مباشرة، للمؤسسة العسكرية. فالمصلحة الإسرائيلية هي استمرار الحريق السوري، وليس وحده، بل في كل مكان ممكن في الشرق الأوسط، فإسرائيل ترى أن الحاصل في الشرق الأوسط، فرصة لتوطيد استقرارها، ويُبعدها عن تهديدات المستقبل.

وكانت إسرائيل من أولى الدول التي تمسكت بقضية السلاح الكيماوي المزعوم في دوما السورية؛ فقد ظهر الأمر، وهي في أوج الموجة الثانية من المجزرة التي ترتكبها في قطاع غزة؛ حينما كان قناصتها "يصطادون" أطفال وفتيان غزة العُزّل، وسط نهيق قطعان جنودها فرحا بعد كل "صيد"، وارتفاع أعداد الشهداء والمصابين. ولذا كان صراخها "سورية.. سورية"، أعلى من غيرها، كي تحجب الأنظار العالمية عن المحرقة التي ترتكبها في قطاع غزة، وفي فلسطين قاطبة.

فقد توالى كتبة الصهاينة، بغطاء "التحليلات العسكرية"، على نشر مقالات مطولة، "يفسرون" فيها، "المصالح الملحة جدا" لواشنطن، كي تشن هجوما متواصلا على سورية. وقد برز من بين هؤلاء، المدعو رون بن يشاي، "المحلل" في موقع الانترنت التابع لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، فهو "وجه صُحارة" بين زملائه، وسيحصل بعد أيام على ما تسمى "جائزة إسرائيل"، وهي الأرفع من بين الجوائز والأوسمة الإسرائيلية، مكافأة له على مسيرة حياته.

فقد كتب بن يشاي، مقالا مطولا ينضح دما، مكررا عبارة، "واجب على الولايات المتحدة ضرب سورية"، ويعدد تلك "المصالح"، منها استعادة قوة الردع الأميركية، التي بحسبه، وبحسب تقارير إسرائيلية عديدة، أنها تراجعت في فترة باراك أوباما. ثم يحذّر من أن تكون الضربة الأميركية، مجرد ضربة واحدة ومحدودة، ويقول "يجب أن تكون متواصلة لفترة".

ثم يبق بن يشاي الحصوة، محذرا واشنطن، من أنه إذا لم تكن الضربة كبيرة، ومتواصلة، فإن إسرائيل التي تشعر كثيرا أنها وحدها أمام التحديات، ستشعر بخيبة أمل، ما يضطرها للعمل وحدها مجددا. ولم يكن الحال مختلفا لدى جميع من تُطلق عليهم تسمية "محللين عسكريين". وهؤلاء في الوقت ذاته صُناع رأي، ذوو تأثير أكثر من غيرهم، كونهم يتعاطون مع "البقرة المقدسة" الصهيونية، بمعنى الجيش والعسكرة. وصوت هؤلاء يطغى على كتّاب بارزين، حذروا من حرب على سورية، ومنهم من انتقد الإسرائيليين الصارخين بشأن ما نشر عن "الأسلحة الكيماوية"، ويتجاهلون قتل متظاهرين عُزّل في قطاع غزة، مثل، تسفي بارئيل، وغدعون ليفي وغيرهما.

إن الحُكم الصهيوني الذي تباكى على "الكيماوي" في سورية، هو ذاته الذي جعل من كل حروبه على الشعب الفلسطيني، ولبنان، حقل تجارب لأسلحته الخطيرة، وبغالبيتها الساحقة، إن لم تكن كلها، من المحرّمة دوليا. ونصيب قطاع غزة في كل حروب سنوات الألفين كان كبيرا. ومن يسارع لتهديد سورية، زاعما حرصه على حماية شعبها، هو من وقف ودعم إسرائيل في كل حروبها، ويرفض إدانة مجزرة غزة، لا بل يدافع عنها ويبررها.

والحديث بالذات عن الجالسين في البيت الأبيض. فهؤلاء استمرار للإدارة السابقة بزعامة بوش الابن. فنذكر مثلا، كيف أن وزيرة الخارجية كونداليسا رايس، ومن كان سفيرا في الأمم المتحدة جون بولتون، حثا إسرائيل في العام 2006، على عدم وقف الحربين على قطاع غزة وعلى لبنان. كما كشف وزير الحرب الأسبق شاؤول موفاز، مؤخرا، أن بولتون حثه في تلك الفترة على شن حرب على إيران.

ولتبرير عدوانيتها، تزعم إسرائيل طيلة الوقت، أن كيانها مهدد، وفي كل مرحلة تتسلط على جهة ما. وحاليا تتلبس إيران. ولكن إسرائيل في داخلها، تعرف تماما، أنها لا تواجه في هذه المرحلة أي تهديد لوجودها، وما الشماعة الإيرانية، سوى لإلهاء العالم عنها.

إن ما يقلق الصهيونية ووليدتها في هذه المرحلة، هو خروج الشرق الأوسط من أزمات دوله الداخلية، والاتجاه نحو الاستقرار. وإسرائيل تدفع بكل قوتها لتأجيل هذا لسنوات طوال، حتى تضمن تحول تلك الدول الى رماد، لا تقوى على النهوض لعقود عديدة.