مصلوب على البلكونة




يا رب؛ إني المواطن الأردني. القاعد تحت الآه وفوق الأنين. إني الراكض من شارعٍ عام إلى شارعٍ فرعيّ كي لا يراني التاجرُ والسمسارُ وأصحاب الأفكار السارقةِ منّي أحلامي ..! يا ربّ ؛ إني المصلوبُ على بلكونة العمر وصرتُ فُرجةً للرائح والغادي..الكلّ ينظر و (يجكجك) ويطرق رأسه بالأرض ويمضي عنّي..!
يا ربّ. لستُ إلا أحد مخلوقاتك..أنت الكبير عندي وأنا الصغير من مخلوقاتك ..أعطيتني عينين وقد أبصرتُ بهما ما استطعتُ وها أنا أدفعُ ثمن إبصاري..وأعطيتني أذنين وعقلاً ولساناً وشفتين..وهديتني النجدين ..وها أنا على قارعة الطريق مرميّاً حتى الذباب يستحي من الاقتراب عليّ..!
يا ربّ..إنّي الأردني..أعطيتني أباً و أجداداً وتاريخاً ..كلما نظرتُ إلى أحدهم شعرتُ بالعزة والفخار..وكلّما رفعتُ رأسي قليلاً ؛ قليلاً فقط ..هبطت عليه هابطةٌ جعلته ينحني وينحني حتى ضجت من الانحناء الرقبة وتخشّب الظهر..وأصاب العروق الالتواء..!
يا ربّ..قد ضاقت الدروب..واتسعت الكروب..وانتشرت الحروب..و حلّ الدمار و ارتفعت الأسعار ..ولا حياة لمن تنادي..! يا ربّ..جيوبنا فاضية وحكوماتنا غير راضية وحلّت علينا القاضية تلو القاضية ..وصرخنا عراةً حفاة ؛ أما من سبيل للحياة فلم نجد النجاة إلا بالممات..!!
يا ربّ..إني الأردني ..المغطّى بقشة ..أحمل كرامتي بحثاً عن حرّيتي..أهرب كل يوم خمسين مرّة وأكتشف في كلّ مرّة إني عدتُ إلى نفس المربع..ونفس الطريق..ونفس البوصلة التي لا تدلّني إلا على طريق الآلام والنار ..!
يا ربّ ..أين وعدك للمستضعفين ..قد بان القهر وطفح الغلّ وامتلأ العذاب وتسابق علينا الأرذلون ..وفي آخر الليل يتسامرون بقصص بطولاتهم فينا وعلينا ..! يا ربّ نصرك الذي لا هزيمة بعده ..يا ربّ فكّ صلبي وانزلني عن البلكونة ..قد شبعتُ برداً وآلاماً ..!