عن أكذوبة «اليسار الإسرائيلي»

الصَمت الذي قوبلت به المجزرة التي ارتكبها «الحيش الإسرائيلي» على حدود قطاع غزة من قبل تلك الأحزاب المحسوبة على المعارضة في «إسرائيل»، وتحديداً أحزاب «اليسار الإسرائيلي» باستثناء مجموعة راكاح (الحزب الشيوعي الإسرائيلي ذي الغالبية العربية)، يُشير بوضوح إلى تغيير في الأجندة الداخلية لــ «السياسة الإسرائيلية» التي لم يَعُد الموضوع الفلسطيني وقضية الاحتلال في رأس سلم أولوياتها في ظل الدَفَق غير المسبوق من الإسناد الأميركي لسياسات نتنياهو وللسياسات «الإسرائيلية» في شكلٍ عام، كما ظَهَرَ وبان في جلسة مجلس الأمن الدولي التي فَشِلَت في التوصل لقرارٍ في شأن ممارسات جيش الاحتلال في مواجهة الفعاليات الشعبية السلمية الفلسطينية، واستخدام السلاح الناري ضد المدنيين العزل وقتل أعدادٍ منهم.

 

 

لقد بَدَت زعيمة الحزب اليساري «الإسرائيلي» الأكبر، والمحسوب على المعارضة (حزب ميرتس) الجديدة (تمارا زاندبرغ)، التي طالبت بتشكيل لجنة تحقيق في عمليات قتل المدنيين من قبل الجيش الإسرائيلي على حدود القطاع، بَدَت وصوتها يتحشرج في تصريحاتها الأخيرة عبر وسائل الإعلام «الإسرائيلية»، كمن يُغرِد خارج السرب في دولة يتعمق فيها كل يوم حضور وسطوة قوى اليمين واليمين الفاشي، أفكار المستوطنين الذين يسعون إلى ترسيخ أفكارهم وأيديولوجيتهم في الحيز العام «الإسرائيلي»، وقد استطاعوا بالفعل تحقيق ذلك من خلال حكومة اليمين المُتطرف برئاسة بنيامين نتانياهو.

 

 

صَمت «اليسار الإسرائيلي» عملياً، وغيابه الكامل، في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني وسلوك جيش الإحتلال مع المتظاهرين السلميين واستهدافهم بالسلاح الناري، هو نوع من الموافقة، بل والمباركة الصامتة، لنهج اليمين الصهيوني الديني المتطرف وحكومة نتانياهو، والذي باتَ يحظى بحضورٍ طاغٍ في الشارع والمجتمع «الإسرائيليين» ومعه سياسات الإستيطان والتهويد ومصادرة الأرض الفلسطينية، وهي السياسات النافذة في مختلف دوائر التأثير وصناعة القرار العسكري والسياسي في «إسرائيل».

 

 

إنَّ نفاق هذا «اليسار الإسرائيلي» بات فاقعاً، حين يقول البعض من رموزه عن سياسات الاستيطان «إنَّ المستعمرات هي محل خلاف بين الفلسطينيين وإسرائيل»، وبذا فإن هذا اليسار لا يرفض ولا يُدين تلك السياسات التي أكَلَت الأخضر واليابس وابتلعت الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، بل إنَّ بعضاً من ذلك «اليسار الإسرائيلي» احتفل بمنحِ «جائزة إسرائيل» للمستوطن (يهود هرئيل) لدوره في مجال الاستيطان، وهو من مؤسسي (مستعمرة) هاروم هاغولان فوق اراضي الجولان العربي السوري المُحتل. وكانت تلك الجائزة قد مُنِحَت العام الماضي للمستوطن (دافيد بئيري)، سكرتير عام جمعية (إلعاد) الاستيطانية التي تَنشَط في مجال تهويد القدس المحتلة وإقامة المستعمرات فيها وحولها.

 

 

لقد سَقَطَ ما يُسمى بــ «اليسار الإسرائيلي» في الإختبار الأخلاقي والقيمي، وفي الاختبار السياسي أيضاً، وسقط معه قناع الزيف الذي طالما رفعه العديد من أحزاب هذا اليسار عند الحديث عن الحلول السياسية على أساس قرارات الشرعية الدولية، ليتبين في حقيقة الأمر أن جوهر موقفها يبتعد عن الشرعية الدولية، ولا يختلف في نهاية الأمر، عن مواقف عتاة حزب الليكود، وعموم أحزاب الخريطة السياسية في دولة الإحتلال.