زنابق بيضاء بنمش اسود خجول
زنابق بيضاء بنمش اسود خجول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور: رشيد عبّاس
نقول سبحانه في مكانه, ونقول ولله في خلقه شؤون, كيف يضع عظمته في اجمل خلقه, وكيف يتجلى ابداعه في زهرة من زهرات هذه الارض البسيطة التي نعيش عليها, تلك الزهرة أخذت مع اسمها اجمل شهر من اشهر السنة, انها زهرة الزنبقة او زهرة شهر نيسان,..الروعة هنا انها تُقدم هذه الزهرة عصارة عطرها الفوّاح في ايام قليلة من حياتها التي تعد على اصابع اليد الواحدة, نعم زهرة الزنبقة تعيش القليل وتقدم الكثير من اجل غيرها, تقدم هذه الزهرة اجمل عطر واجمل الوان هدية لنا خلال شهر نيسان تُسحر وتسر به الناظرين.
كيف لا وقد عجزت شركة (فراجوورلد) الفرنسية كواحدة من اكبر واضخم الشركات الفرنسية في تركيب العطور عجزت عن تركيب عطور مشابهة لعطور زهرة الزنبقة, وعجزت شركة (بانتون) الامريكية كأكبر واضخم شركات مزج الألوان عجزت عن تركيب الوان مشابهة لألوان زهرة الزنبقة, واكثر من ذلك العجز العظيم الذي واجهه علماء النفس وعلى رأسهم عالمة النفس الكندية (بريندا ميلنير) في تفسير الحالة النفسية المريحة التي يشعر بها المار من جانب هذه الزهرة.
يأتي شهر نيسان فيستأذن الزنبقة كي تنهض على عجل وتتفتح براعمها لتكشف لنا بحياء عن الوانها الداخلية البيضاء والوردية والحمراء ذات النمش الاسود الخجول, فتنثر وريقاتها العطرية في داخل أعماقنا كل معاني الحب والأمل والتفاؤل والبهجة والشوق والفرح والانتظار, ناهيك عن بعض الزهور الثنائية إذ يجتمع فيها لونان ليضفيا صورة جمالية رائعة على الزهرة مما يجعلها من الزهور الرائعة لجمالها وعطرها المفعم بالحيوية,..وأينما توجد زهرة الزنبق، فإنها تضفي على المكان منظرًا رائعًا يخطف انظار المارين.
ما اجمل نيسان حين يجيء لنا بقطرات ندى الصباح, وما اجمل نيسان حين يجيء لنا بشمس ندية توقظ لنا عصافير الاشجار المحيطة بنوافذ بيوتنا الدافئة, ما اجمل نيسان حين تتكئ نحلاته على زنابق نيسان لتأخذ شيء من الرحيق المعطر, ما اجمل نيسان حين نرى فيه زنابق بيضاء المطلع بنمش اسود خجول,..من اجلك يا (نيسان) نزرع الزنابق على مداخل بيوتنا في اماكن تسمح لخيوط الشمس الذهبية في الصباح الباكر مسح قطرات الندى المتجمعة على نمش البتلات الجميلة, نعم نزرع الزنابق في اماكن تسمح لوصول خيوط اغنية فيروز (قد أتاك يعتذرُ) المتسللة من ابواب البيوت الى تلك الزنابق الدامعة.
تختصر الزنابق أجمل الكلمات وأنقاها وأصدقها،,..فزنبقة واحدة كافية بأن تقول الكثير من الكلمات والأحاسيس بأجمل وأرقى أسلوب، ولكل زنبقة ولونها لغتها الخاصة بها وحدها تلك التي تحاكي بها مزاجنا وحالتنا النفسية وشخصيتنا, فقد قال احد الفلاسفة الالمان (كارل ياسبرس) اعطني لون زنبقة نافذتك لا قول لك من انت,..ألوان الزنبق المختلفة تبث الأمل في من يراها بأن غدا يوم جديد مليء بالأمل, فحقا الزنبقة هي هبة الرحمن لنا, نعم أن مفعول رائحة ولون هذه الأزهار افضل من تناول الدواء, علينا ان نتذكر أن زنبقة واحدة لإنسان على قيد الحياة أفضل بكثير من باقة كاملة من الزنابق تذكرنا به.
بقي ان نقول لقد رسم بحذر كثير من الفنانين العديد من اللوحات الفنية تحمل زهرات من الزنبق, حيث امتنع البعض عن ذلك خوفا من تجريد هذه الزهرة من روائحها العطرة, كيف لا وفي احد المناسبات عُرض على الرسام الهولندي الشهير(فنسنت غوخ) رسم لوحة لنحلة تقف على زهرة زنبق فرفض هذا العرض قائلا: استطيع رسم كل ما طلبتم مني لكنني لا استطيع رسم رحيقها الفوّاح, ونحن نقول هنا هل بقي في حدائقنا او على شرفاتنا او على مداخل بيوتنا زنابق بيضاء بنمش اسود خجول, الجواب تجدونه عند مصممو المكياج البشري.