سيّدي صاحب الجلالة: الأردن بحاجة إلى خارطة طريق...!

 

سيّدي صاحب الجلالة: الأردن بحاجة إلى خارطة طريق...!

 

سؤال يجب أن نتوقّف أمامه طويلاً لأكثر من سبب، أوّلها: أنّ المناخ العام أصبح جاهزاً ومهيّأً لاستقبال كلّ شيء دون الجزم بخيره وشرّه (خيرٌ كان أم شر)، وهو ما يعني وجود ثمّة صراعٍ خفي وشديد في كلّ المستويات الرّسميّة والشّعبيّة، وثانيهما: الحيرة الشّديدة التي أصابت وتصيب الجميع مما حدث ويحدث وماذا سيحدث، وبات سؤالهم الموحّد والدّائم في الخفاء والعلن: الأردنّ إلى أين... .

 

بعيداً عن إشكالات المواطنة (الوطني وغير الوطني)، وبعيداً عن (سيناريوهات) المعارضين والموالين، وبعيداً عن (كلاشيهات) المواطن القانع المنتمي والمواطن غير القانع وغير المنتمي؛  لم أرى الأردن (شعباً ووطناً) يعيش من قبل حالة من التّيه كما أرى الآن، ولم أرى أنّ الأردن بحاجة إلى (خريطة طريق) في أي وقت مضى أكثر من حاجته الآن...!

 

الأردن بحاجة إلى (خريطة طريق) لأنّه يعاني الآن من انتشار سريعٍ للشائعات الأخطر في تاريخه، ويزيد في انتشارها ويضمن لها جمهورها ومتلقّيها؛ هو ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لقضايا عدّة لا زالت عالقة وتحتاج لحلول على وجه السّرعة... .

 

الأردن بحاجة إلى (خريطة طريق) لأنّه يسيطر على الأردنيّين شعورٌ عامّ من الحيرة والخوف على بلدهم، وأغلبهم وصل إلى قناعة بأنّ المستقبل لا يمكن أن يوصف إلّا بأنّه أضحى شبه مجهول، وزاد وساعد على ذلك كلّه، هو استمرار حالة السّيولة (الملايين السّهلة) والتي أوعزت ودفعت إلى تنامي شعور عام لدى الأغلب من المواطنين بأنّ ليس هناك فرصة أو وقت للضّغط وتحقيق المطالب الفئويّة والجهويّة أفضل من الآن (إذا هبّت رياحك فاغتنمها)...!

 

الأردن بحاجة إلى (خريطة طريق) لأنّه يسير الآن بهدفٍ غير واضح المعالم، ولا يستند لتوقيتات زمنيّة محدّدة يمكن لها أن تعيد الثّقة للجميع وبين الجميع، وهذا الهدف؛ أقلّ ما يُقال عنه الآن أنّه يفتقد لأدنى درجات الشّدة والحزم، فالفوضى تضرب الشّارعين الأردنيين -الرّسمي والشّعبي- وإلّا ما هو تفسيرنا لقلة الهيبة التي تعيشها الحكومة (السّلطة وقراراتها) من قبل المواطنين؟ وما هو تفسيرنا لتجاهل المطالب الشّعبيّة التي أضحت واضحة وملحة وصريحة من قبل الحكومات ومؤسسات القرار؟

 

لقد حرصتم يا جلالة الملك في الواقع الجديد على لقاء رموز المجتمع في مختلف المجالات، وتبلورت لديكم رؤية شاملة لما ينبغي إعداده خلال الفترة القادمة، ولثقتنا المطلقة بجلالتكم، ولحبّنا وتقديرنا لكم؛ فإنّنا لا زلنا على قناعة بأنّ الوقت لا يزال كافياً أمامكم وأمامنا لكي ننجز معاً خارطة طريق تخصّ الأردنّ والأردنيين...، تبدأ بمستقبلً قريب وتنتهي بنا إلى مستقبلٍ بعيد، واقلّ ما يقال عنه أنّه مستقبلٌ أردنيٌّ هاشميٌّ نزيه عصريٌّ وحديث، لا قبليّاً فئويّاً متخلّفاً ساذجاً وقديم... .

 

ولكي نرسم تلك الخارطة وننجزها بيسر وسهولة، وليتسنّى لنا معك أن نبني بديلاً جديداً أبلجاً ومستقيماً غير متعرّج أو مُعوَجّ؛ علينا أن نتفق على أنّ ما جرى ويجري في الأردنّ الآن هو ثورة إصلاحيّة شعبيّة، وكوننا أو في حال اتفقنا في تعريفها نظريّاً وإجرائيّاً (بعيداً عن كلّ خيال ووهم ومجاملة وتبادل في الاتهامات...) على أنّها ثورة؛ فلا بدّ يا سيّدي من تحديث النّظام الحالي وتطويره وتصويبه برمّته أو شبه إحالته على التّقاعد وبدون مجاملة أو تلكؤ، وبخاصة في نصف أجزائه التي انكشفت عوراتها وضعفها على الصّعيدين الشّخصي والعملي أمام شعب على مستوى عالٍ من العلم والثّقافة والعزّة والكرامة الفطريّة، وأكثر ما يطلبه هو احترام عقله وتكريمه، والنأي به ولو قليلاً عن خبرات القهر والذّل والمهانة التي بات يعيشها ويخبُرَها على أيدي أزلامٍ وذكور لا يرقبون فيه إلّاً ولا ذمّة، وعلم هذا الشّعب وأيقن بأنّهم لا يفقهون في شيءٍ وُضِعوا من أجله، لا بالإدارة ولا بالسّياسة ولا بالاقتصاد، وأنّ كلّ ما يفقهونه هو أنّهم جاءوا كقضاءٍ وقدرٍ على هيئة خلفٍ وراثيّ لجدٍ أو أبٍ أو صهر أو نسيب أو مال، وأنّهم عائلات القدر المختارة للسّلطة والسّيادة، وباقي مخلوقات الأردنّ في نظرهم وحسب معتقداتهم عبارة عن متطلّبات وإضافات فقط حباهم الله بها لتستمرّ دورة (السّيّد والعبد) في مسلّمة الحياة وشأنها...، والأنكى والأشدّ وقاحةً؛ هو أنّ كلّ من يئن أو يتأوّه لا بدّ وأنّه مُخرّب أو مارق ، ويجب قمعه أو تأديبه، وما عليه سوى أن ييأس ويستيئس ويسلّم ويستسلم لواقعه وأن يتعايش معه برضاً وعن طيب خاطر... !

 

سيّدي: الأردن بحاجة إلى خارطة طريق محددة الأهداف والتّوقيتات،  لتطمئننا وتطمئنك، ولن يحصل ويتسنّى لنا ذلك؛ إلّا أنّها تُرسم وتُلوّن بأنملتك الهاشميّة البيضاء، وتحدّد لنا بوصلتها بإبهامك الصّادق الصّدوق، فنسير عليها جماعة وفرادى، ودون أن  نحمل بين جنبينا خوفاً أو نضمر أدنى شكٍّ في صدورنا بأنّنا سنظلّ الطّريق بين عمّان ومدنها وقراها، أو نحيد عنها أو نغفلها شبرا، وبذلك ستزولُ يا سيّدي عنك وعنّا المخاوف، وحينها وبدون أن يظطرّنا النّشيد؛ سيعيش الأردنّ ونحن فيه سنموت ونعيش، وبيننا وفينا الاثنين يا سيّدي روحاً وتراباً إلى الأبدِ ستعيشُ وتعيشُ وتعيش... .