الصفقة


 

«مهمتنا هي جعل العالم أقرب لبعض» – مارك زيكربيرغ، مؤسس فيسبوك.
أعلنت الإدارة الأمريكية عن إجراءات جديدة للراغبين بالحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة اعتبارا من شهر أيار المقبل تقضي بتسليم بياناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وسيتم تطبيق هذا الاجراء بعد مصادقة الكونجرس.
هي صفقة بسيطة للغاية تتخلى بموجبها عن حريتك وخصوصيتك طوعا مقابل الاتصال بعدد غير محدود من الأصدقاء والحصول على معلومات وأخبار وتسلية من على صفحات الفيسبوك .
فيسبوك في طريقها لتصبح أكبر قوة في العالم، ستكون أقوى من وكالة الامن القومي ووكالة الاستخبارات الامريكية، وأقوى من ناسا ومن بوتين والكرملين. منبع هذه القوة هو عدد مستخدميها، بحيث ستستطيع التجسس والتأثير على وجهات النظر والقناعات والمعتقدات والسلوك.
وفي هذا يقول جون روب ضابط مكافحة الإرهاب السابق في القوات الامريكية : إنه بحلول عام 2025 سيصبح عدد مستخدمي الفيسبوك 3.5 مليار شخص، ومع هذا العدد ستستطيع مراقبة كل سكان الأرض سواء من كان له حساب ام لا، وستستطيع المراقبة الآنية لكل شخص من خلال هواتفهم الذكية وأنظمة تحديد الموقع.
هذه الشركات العملاقة لا هم لها سوى جني الأرباح دون اية ضوابط أخلاقية، فهي خرجت من رحم الرأسمالية الشرهة. تذكر فضيحة الابل الأخيرة التي تقوم بابطاء هواتفها وتسريع نفاذ بطاريات أجهزتها القديمة عند طرح أجهزة جديدة.
أما الفيسبوك فلا تكتفي بالاعتماد على الإعلانات في مواردها وانما هنالك موارد أخرى غير محدودة من بيع المعلومات والأدوات للحكومات والتجسس والحرب النفسية.
في اتفاقيات فيسبوك مع مطوري البرامج التي تعتمد عليها، فهنالك مادة تنص على حماية المعلومات والسرية ولكن يمكن الكشف عنها اذا ما قام طرف ثالث بتوقيع اتفاقية حماية المعلومات.
الحكومات في العالم تريد التأثير على الناس وفيسبوك مستعدة للقيام بذلك مقابل المال، فمثلا تقوم بحذف المواد في تركيا التي تؤيد انفصال الأكراد، وانتقادات الناس للحكومات في الهند والباكستان، والمواد التي تقاوم الاحتلال في فلسطين، والمواد التي توثق حرب الإبادة للروهينجا والامثلة تطول.
وتقول موريا ويلان المتحدثة باسم وزارة الداخلية الامريكية من ان الفيسبوك هي واحدة من اهم الأدوات واقلها كلفة للوصول الى ثلاثين مليون شخص يوميا.
ومن الفضائح الأخيرة هي تدخل المخابرات الروسية في الانتخابات الامريكية لدعم ترامب، فالتحقيقات تكشف من ان المخابرات الروسية قد صرفت نحو مائتي الف دولار كإعلانات خلال الانتخابات الامريكية، وحسب كلام المدير الرقمي لحملة ترامب: فإن موظفين من الفيسبوك كانوا يعملون في مكاتبنا ويعلموننا كيفية تحديد الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم.
كما تابعنا في الايام الماضية التحقيقات عن شركة كامبريج اناليتيكا وهي واحدة من الشركات القريبة من الاستخبارات البريطانية والتي تستخدم الذكاء الصناعي والحرب النفسية لتبرير التدخلات الامريكية والبريطانية في دول عديدة وتتواصل مع مائتي مليون امريكي مستخدم للفيسبوك، قد دعمت ترامب في الانتخابات الامريكية.
ومن الشركات الأخرى التي تعمل في التأثير على الرأي العام وتعمل مع حكومات العالم شركة scl التي تأسست عام 1993 وهي شركة حكومية تجارية بريطانية يصرح لها بالعمل مع عملاء أجانب متخصصة في الانتخابات ومكافحة الإرهاب، وحصلت عام 2017 على عقد بنصف مليون دولار لعمل تحليلات عن إرهابيين محتملين على الفيسبوك، والمدير التنفيذي للشركة مارك ترنيل كان مسؤولا أيضا عن انتاج أفلام كاذبة للقاعدة.
والأخطر من هذا، ان مثل هذه الشركات لديها علاقات قوية مع شركات النفط والعقارات والتصنيع العسكري ومؤسسات الأبحاث والدراسات التي تشكل آلة الحرب الانجلوسكسونية في العالم.
فما كانت تقوله زوجتي من ان حكومة واحدة ستحكم العالم، حكومة فوق كل الحكومات هو أمر في طريقه للظهور، ولا شك من ان الفيسبوك هو واحد من مهندسيها فهو الذي سيتحكم بالقناعات وسيقدم ويحجب الاخبار التي يريدها.
وأين أنا وأنت من كل هذا، لن تستطيع منعهم من التجسس عليك ولكن قد تستطيع ان تمنعهم من التحكم بعقلك من خلال البحث عن مصادر متنوعة للاخبار، والاتجاه الى بدائل أخرى للتواصل خلاف الفيسبوك وأخواتها.

التعليق