واشنطن: اختيار «شياطين وأشرار» في حكومة حرب يقودها ترامب لا يبشر بالخير

اخبار البلد - 

 
استقبل وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في مبنى البنتاغون مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جون بولتون وهو يقول مازحا بانه سمع من الآخرين ان بولتون عبارة عن شيطان متجسد.
وأضاف ماتيس لدى استقباله بولتون الذي عينه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستشارا للأمن القومي ليحل محل المستشار السابق اتش آر ماكماستر «شكرا لقدومك، من الجيد ان التقي بك أخيرا، سمعت بانك شيطان متجسد، وأردت مقابلتك». وقال وزير الدفاع في مناسبات سابقة انه ليست لديه تحفظات أو مخاوف من العمل مع بولتون.
هذا اللقاء البروتوكولي بين أعضاء من طاقم ترامب لا يمكن ان يثير اهتمام الإعلام في الظروف العادية، ولكن الجدل المتصاعد في الفترة الأخيرة بشأن الاتجاهات المتطرفة في الإدارة الأمريكية وتعيين المزيد من اليمينيين، أثار المخاوف من احتمال الدفع لحروب جديدة. وقد كان تعيين بولتون بمثابة إشارة واضحة من ترامب برغبته في إنشاء حكومة حرب، في حين أعرب العديد من المراقبين عن طموحات بان يحاول وزير الدفاع نفسه وقف جماح فريق ترامب، بمن فيهم بولتون.
وعمل بولتون سفيرا في الأمم المتحدة، ووكيل وزارة الخارجية لشؤون الحد من الأسلحة والشؤون الدولية، وكان في الآونة الأخيرة من المحللين الدائمين على شبكة «فوكس نيوز» اليمينية، واستهدف اليسار السياسي بولتون بشكل دائم بسبب وجهات نظره المتشددة، حيث اقترح شن هجوم وقائي على كوريا الشمالية للقضاء على ترسانتها النووية.
واختلف ماتيس وبولتون في عدد من المواقف، أبرزها كوريا الشمالية، إذ دافع وزير الدفاع عن الدبلوماسية في التعامل مع بيونغ يانغ في حين دفع بولتون من أجل القيام بشكل استباقي بضربة الدولة المعزولة. كما جادل بولتون في ايلول/سبتمبر الماضي على قناة «فوكس نيوز» بان الخيار الدبلوماسي الوحيد المتبقي هو إنهاء النظام في كوريا الشمالية.
وانتقدت شخصيات بارزة تعيين بولتون، إذ قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ان التعيين «أسوأ خطأ ارتكبه ترامب حتى الآن وهو في منصبه». وأضاف «لدي قلق بالغ من بعض الأمور التي قررها، أعتقد ان اختياره الأخير لمستشار الأمن القومي كان غير حكيم للغاية، واعتقد ان تعيين جون بولتون كان أسوأ خطأ ارتكبه».
ولكي نتعرف على سبب عدم الحكمة في تعيين بولتون ووصفه بالشيطان من زملائه في إدارة يصفها العديد من المحللين بانها تضم حفنة من الأشرار، دعونا نجيب على بعض الأسئلة المهمة، مثل، ما الذي يعنيه تعيين بولتون ووزير الخارجية بومبيو بالنسبة للمحادثات مع كوريا الشمالية؟
موافقة ترامب في وقت قصير على لقاء كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، أثارت الكثير من الأسئلة بشأن ما يسعى أو يأمل ترامب تحقيقه من هذا اللقاء خاصة بالنظر إلى أسلوبه في صنع القرار، كما ان آفاق الاجتماع أصبحت غير مؤكدة بدرجة أكبر بسبب تعيين مايك بومبيو لمنصب وزير الخارجية وتعيين بولتون مستشارا للأمن القومي.
وقد لا يحدث اجتماع ترامب ـ كيم على الإطلاق، والأسوأ من ذلك، هو احتمال فشل المحادثات بعد مطالب مفرطة من كلا الجانبين، وقد يستجيب ترامب لنصيحة بولتون المتعلقة بضربة استباقية ضد كوريا لان «المفاوضات فشلت». ومن ناحية أخرى، إذا كان ترامب يريد بالفعل اتخاذ خطوة نحو نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية فان عليه، وفقا لآراء العديد من المحللين الأمريكيين، التراجع عن الخطابة المتشددة وان يأخذ في الاعتبار الدروس التي يجب استخلاصها من المفاوضات حول إطار العمل المتفق عليه بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية لعام 1994 وخطة العمل المشتركة الشاملة بين واشنطن وطهران.
وأوضح المحامي نيويل هايسميث، الذي عمل كمستشار قانوني أول للحكومة الأمريكية في المفاوضات مع إيران وكوريا الشمالية، انه لا يمكن ان يكون هدف الصفقة المقبلة ان تصبح كوريا الشمالية (مواطنا جيدا) لان هذه التوقعات ستضمن الفشل، وانما يجب التركيز على هدف لعملية تدريجية تتضاءل فيها تهديدات كوريا الشمالية للولايات المتحدة والحلفاء.
وأضاف هايسميث، ان كوريا ستختبر حدود الاتفاقية ولذلك يجب التعامل مع أي صفقة كأداة لإعادتها إلى الصف بدلا من التوقيع على وثيقة تستهدف الإيقاع بالخصم وبالتالي المسارعة في إجراء عقوبات، وهذه رؤية تعترض بشكل خطير مع معتقدات بولتون الذي أورد في مذكراته ان تحرك كوريا الشمالية لتخصيب اليورانيوم هو انتهاك لصفقة 1994 و«المطرقة التي كنت أبحث عنها لتحطيم الاتفاق».
وشرح المستشار القانوني الذي لجأت إليه، أيضا الإدارة الأمريكية أثناء المحادثات النووية مع الهند، ان التفاصيل مهمة في الصفقات، مشيرا إلى ان خطة العمل المشتركة كانت مرفقة بأكثر من 100 صفحة تشرح التزامات الجانبين بالتفاصيل والإجراءات التي يجب ان تتخذها إيران. وقال هايسميث ان عدم الرغبة في الالتزام ستعني اننا سنسمع المزيد من التصريحات القصيرة والغامضة.
واتفق العديد من المحللين مع آراء هايسميث، وقالوا انه يجب بناء عملية لإدارة النزاعات والخلافات مثلما حدث في الاتفاقية مع إيران، إذ وافقت طهران على تنفيذ بروتوكول إضافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو إجراء يساعد على الامتثال وتفسير المسائل بدلا من فرض اتفاقية تهدف إلى العمل كفخ لإثبات ان الحلول التفاوضية لا تعمل أبدا، وهي سياسة يؤمن بها بولتون بشدة.
ترشيح بومبيو وتعيين بولتون عشية الاجتماع مع كيم يونغ لا يبشران بالخير في الطريق الدبلوماسي، ولكن قيل قديما، ان نيكسون هو الوحيد الذي يمكن ان يذهب إلى الصين، وهذا يعني ان تفاوض الإدارة الحالية بطريقة ناجحة على صفقة محددة يمكن التحقق منها فيما يتعلق بالتهديد النووي سيعني ان للصفقة فرصة أفضل من الناحية السياسية للاستمرار في الإدارة المستقبلية أكثر من الاتفاقيات السابقة.
وبالنسبة إلى الشأن الإيراني، اختيار بولتون رفع نسبة فرص انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 وعلامات الاستفهام في واشنطن بدأت تدور حول مدى استعداد الإدارة الأمريكية لتداعيات انهيار الاتفاق بدلا من السؤال ما إذا كانت الصفقة ستستمر أم لا؟
ومن المحتمل ان تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية في شهر ايار/مايو مما سيخلق تحديات جديدة لواشنطن بسبب تعقيد العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين الذين يعارضون انسحاب الولايات المتحدة إضافة إلى ما يعنيه ذلك من تقوية الحلف الخصم، بما في ذلك روسيا والصين، ناهيك عن احتمال قيام طهران بمهاجمة المصالح الأمريكية بقوة أكبر في المنطقة أو خارجها.
بولتون يفضل الانسحاب، في حين قال ماتيس أمام الكونغرس انه يعارض الانسحاب من الصفقة، ووفقا لأقوال العديد من المحللين الأمريكيين، فان الصفقة تميل لصالح إيران التي حصلت على مليارات الدولارات نتيجة الاعفاء من العقوبات مقابل حدود مؤقتة على تطوير البرنامج النووي بدون حدود على تطوير الصواريخ البالستية، ولكن على المستوى الأساسي، يعترف الخبراء ان إيران تمتثل، وهو أمر لن تلتزم به بالتأكيد إذا انهارت الصفقة.
أهمية التعيينات والترشيحات الأخيرة تبرز أيضا في مسألة المشاركة الأمريكية، لان قانون مراجعة الاتفاق النووي يتطلب من الرئيس الأمريكي التصديق كل 90 يوما للتأكد من التزام إيران بالصفقة وعدم اتخاذ خطوات أخرى لتطوير البرنامج النووي والتصديق على تخفيف العقوبات يستمر في خدمة المصالح الأمنية الأمريكية.
ترامب من جانبه، قلل مرارا من شأن الصفقة النووية قائلا انها أسوأ اتفاقية دبلوماسية في تاريخ الولايات المتحدة ولكنه لم ينسحب من الاتفاقية مقتنعا بآراء وزير الدفاع ماتيس ومستشاره السابق اتش آر ماكماستر ووزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، والآن مع ترشيح بومبيو وتعيين بولتون، فان الأمور اختلفت. وبصرف النظر عن تحركات الأفراد، فان التوقعات مكتوبة على الحائط، إذ حدد ترامب الموعد النهائي في 12 أيار/مايو للمسؤولين الأمريكيين والأوروبيين لوضع خطة تعالج الشكاوى الرئيسية، أما عن طريق إعادة التفاوض حول الصفقة النووية مع إيران أو عقد صفقة جانبية بين أمريكا وأوروبا.
مهمة بولتون وبومبيو في تلبية رغبة ترامب بتفكيك الصفقة النووية قد تبدو سهلة، لان طهران لن تستجيب قطعيا لمطالب الإدارة الأمريكية التي تتمثل في إغلاق جميع السبل أمام إيران لامتلاك الأسلحة النووية لفترة تتجاوز بكثير المدة التي أقرها الرئيس السابق باراك أوباما إضافة إلى توسيع الاتفاقية لتشمل برنامج إيران للصواريخ البالستية، بحيث يتم منع إيران من تطوير هذا البرنامج كما تطالب واشنطن بإجراء تعديلات تسمح بعمليات تفتيش في أي مكان وفي أي وقت، بما في ذلك المواقع العسكرية.(رائد صالحة)