عندما تبدع الأحزاب في تهميش نفسها بنفسها .. وتعجز عن ( مناطحة الكبار )


عدد لا بأس به من الاحزاب السياسية الوسطية عقدت عدة لقاءات للبحث في مقترح لقانون إنتخابات جديد ، وقد تمخّضت هذه اللقاءات عن تقديم صيغة جديدة تمنح الاحزاب السياسية أربعين مقعدا من أصل مئة مقعد إقترحتها تلك الأحزاب ، وهذا يعني من وجهة نظرها تخفيض عدد مقاعد المجلس النيابي ثلاثين مقعدا .

ليست المرة الأولى التي تقدم فيها أحزاب سياسية مقترحات في هذا الإتجاه ، ولم تنجح في ذلك أبدا ، لأسباب متعددة تتحمل الأحزاب المسؤولية الأكبر فيها ، لانها تبدأ بالتراجع والتنازل التدريجي عن الحد الأقصى الذي طلبته ، والامثلة متعددة ، ولو عدنا سنوات إلى الوراء لاكتشفنا ان الأحزاب بمجملها فشلت في تمرير أي صيغة قدمتها سواء للحكومة او مجلس النواب ، ويمكن القول ان كل المقترحات السابقة لم تجد أدنى إهتمام من ذوي العلاقة في السلطتين التشريعية والتنفيذية .

صحيح انه كانت تجري مناقشات حولها مع نواب وفعاليات مختلفة ، ولكن النتائج كانت دائما عكس ما يجري خلال المداولات .

المشكلة في الأحزاب السياسية انها لا تسير حتى النهاية في أي مقترح يجري تقديمه ، ويتملكها الضعف إن غاصت في النقاش مع جهات أخرى ، ومن السهل ممارسة الضغوط على هذه الكيانات التي تعتقد بان لها الحق في الوصول إلى المجلس النيابي من خلال قانون إنتخابي ترى الأحزاب ضرورة أن يحتوي على نسبة تمنح لها ، وهي تدرك تماما بانها تفتقد للقاعدة الشعبية القادرة على حملها وإيصالها إلى قبة البرلمان التي تحلم بها منذ أكثر من ربع قرن .

الأحزاب الوسطية في الأردن لا تجيد الحوار ، وليس لديها القدرة على تعليل الأسباب ، وتفتقر للكفاءات القادرة على ( مناطحة ) الكبار ، هي الآن أنجزت مقترحها ، وكان الله بالسر عليم ، حيث يعتقد بعض الأمناء العامين فيها بان ( الإنجاز) الذي قامت به الاحزاب الوسطية ( يجب ) أن يؤخذ به لانه ( سوبر) ، دون النظر إلى الحسابات المعقدّة الأخرى في بلادنا .

ومشكلة أخرى تعانيها الأحزاب وخاصة الوسطية منها ،حيث ترى أنها ممثلة لقطاعات واسعة من الناس ، أو أنها تتحدث باسم الأغلبية الصامتة ، وهي بالكاد تخرج من بين جدران مكاتبها ،وأتحدى أن يقوم مواطن مثقف ومتعلم بذكر أسماء خمسة أحزاب أردنية دون أن يخطيء باللفظ ، بالتاكيد سيجد صعوبة في ذلك ، ربما يستطيع هذا المواطن ذكر أسماء لأحزاب في فرنسا وألمانيا ، ويفشل هنا في الأردن !

بعد مرور اكثر من ربع قرن على العمل الحزبي العلني في البلاد ،ما زالت المعاناة مستمرة ، ويمكن القول ان الأحزاب السياسية أبدعت في تهميش نفسها بنفسها ، ونحن نعلم بان معظم الاحزاب تم تأسيسها خدمة لبعض الأشخاص ، وفي العادة يؤسس الحزب من القاعدة الشعبية التي تفرز بعد ذلك القيادة ، بينما عندنا الامر عكس ذلك تماما ، فالقيادة جاهزة ، والأمين العام ( مافي غيره ) ومن ثم يجري البحث عن القاعدة او المؤسسين !

كيف للأحزاب السياسية ان تصل إلى البرلمان ؟ هناك أسباب عديدة وواقعية ومنطقية تمنع ذلك ، وبالإمكان تلافيها ، ومن هذه الأسباب :

أولا : إفتقار الأحزاب للقاعدة الجماهيرية ، حتى مؤسسي الحزب ، فغالبيتهم لا يعرفون شيئا عن حزبهم ، وربما بعض المؤسسين لا يدرون أنهم أعضاء في حزب سياسي ، وهذه مصيبة كبرى وأنا مطّلع على ما هو أكثر من ذلك .

ثانيا : الكثير من قادة الأحزاب لا يفقهون معنى العمل الحزبي ، ولا يعرفون ألف باء الحزب السياسي ، وبعضهم يرى فيه نوعا من ( المشيخة ).

ثالثا : الكوادر الحزبية غير مؤهلة أبدا ، ولا تملك القدرة على إيصال أي فكرة عن الحزب .

رابعا : لا أهداف واضحة لديها ، وفي غالبيتها ( نسخ كربونية ) عن بعضها البعض ، وتفتقر للبرامج الواضحة القابلة للتطبيق .

خامسا : هناك حالة من ( الجبن ) في مواجهة الجمهور ، خوفا من الإحراج أو الهجوم على الحزب ، وبالتالي لا تستطيع الأحزاب الوسطية ، على وجه الخصوص ، مواجهة الناس ، لأن لا شيء لديها تقدمه للمواطنين .

سادسا : المواطن ينظر بعين الشك والريبة لهذه الأحزاب ، حتى ان مصطلح أحزاب الوسط لا يعني لدى المواطن إلا شيئا واحدا فقط وهو أنها أحزاب الحكومة !! حيث لا لون ولا طعم لها ،

سابعا : المصيبة ان هذه الأحزاب لا تعرف في أي مكان تقف ، فهي تقول أنها أحزاب وسطية ، وهذا مصطلح مضحك ، لا بل ويدلّ عل تخلّف هذه الاحزاب ، لأن كل الاحزاب السياسية التي تكون خارج الحكومة هي أحزاب معارضة ، وهذا يدعونا إلى ضرورة إعادة التسميات والتصنيفات ، وهذا يحتاج إلى جهد كبير ، من خبراء في العمل الحزبي والسياسي .

ثامنا : ضعف التواصل مع الإعلام ، وعدم وجود كوادر إعلامية مؤهلة فيها ، مع علمنا بأن الإعلام هو المفصل الأهم في عملها ، ولكنها تتغاضى عن ذلك ، وتمارس ( البخل ) في الإنفاق على هذا الإتجاه .

تاسعا : عدم إتاحة الفرصة للأجيال الجديدة والشباب والنساء في الوصول للمواقع المتقدمة أو قيادة الاحزاب ، فهذه المواقع ( مطوّبة ) بأسماء أشخاص لا يتغيرون ولا يتبدلون إلى أن يختارهم الله إلى جواره !

إن الحزب السياسي لا يعني شيئا ، ويصل لمرتبة ناد من الدرجة العاشرة إذا افتقر للقاعدة الشعبية ، وبالتالي على الأحزاب ان تعمل أولا لأجل الوصول الى المواطنين في مواقعهم ، وتقديم ما يلبي رغباتهم وطموحاتهم ، والعمل على إقناعهم بما يقومون به قبل التفكير في الوصول للمجلس النيابي الذي سيبقى بعيد المنال لمئة سنة قادمة إذا بقي الحال على ما هو عليه .