الغزلان لا تتبخر أو تطير



حتى نهاية هذا الاسبوع يتوقع أن تسيطر غيمة الأغينة القديمة (كان عندي غزال كفه محني) على أجوائنا الواقعية الافتراضية (فيسبوك وأخواتها). وبين برق ورعد سنتذكر بتحسر ترنيمة أخرى ظلت حاضرة في البال والبلبال: (يبا يبا له، يبا من شرد لي الغزالة، سالت الزين، أخذوها لوين، قالوا هي شردت لحالا).
ورغم أن مثل هذه الغيوم كانت وستبقى عقيمة بلا مطر في كثير من المرات، إلا أن الخيال الشعبي كان وما زال خصباً ولاداً مبدعا شغوفاً في إكمال بقية الحكاية وتطويلها ومنحها كثيرا من التفاصيل والبهارات والتوابل والزخرفات والمنحنيات.
وهذا يذكرنا بقصة الحية الشهيرة في تراثنا، والتي صرنا نعيشها كل يوم وساعة في أشيائنا الجديدة. فيصدف أن يدعي أحدهم أن حية هجمت على بيته بطول شبرين. وبعد أقل من ساعة سيقول آخر أن حية بطول نصف متر هاجمت بيتاً. ويأتي ثالث ويسلخ يمينا أنها أزيد من مترين، وما أن يحين العصر إلا والحية خرجت من الحدود .
على فضائنا الجديد سيقول القائلون: إن الغزلان المفقودة في محمية دبين أكلهن الأسد الذي صدفه البعض هائما على وجهه في تلك الغابات قبل سنة. وسيقول آخرون إن لحم الغزلان شهي على المناسف، أو هشا ونشاً. ويضيف بعد لحظة صمت: وصحتين على قلوب المسؤولين.
أما الذين يمتلكون خيالا مجنحا فسيدعون أن الغزلان قد اندمجت مع بعضها البعض. اي أن ال 200 غزال صارت 100 فقط. فيما سيحلق رابع بقوله: هل تذكرون الشباب الذين نشروا صور صيدهم للغزلان في الصحراء؟. هل تذكرون؟. نعم تلك هي غزالاتنا الشاردة، باعوها لهم ليتسلوا بصيدها.
لا يحق لأحد أن يلوم خيال الناس، إن كان محلقاً، في مثل هذه الحالات التي يلمحون فيها فساداً أو يشمون رائحته، فقلوبهم من الحامضة (لاوية)، أي أنهم يشكون في كل شيء غامض ويرون فيه فسادا من نوع جديد، وهذا منطقي وطبيعي. فحينما تغيب الحقيقة؛ تنفتح النوافذ للخيال؛ ليحلق ويرسم الصورة التي تشفي الغليل.
بحكم التجارب التي تمر بنا كل أسبوع، فإن هذه الغزلان ستسيطر على أجوائنا الفيسبوكية، حتى نهاية هذا الأسبوع فقط، ما لم تات قبل هذا قضية أكبر منها تنسينا الغزلان ومناسفها وصيدها واندماجها، هذا حالنا من دار خالنا.
وسيبقى دائماً، أن احترام حق الناس في معرفة الحقيقة هو الفيصل والفضيلة الكبرى.