رؤساء فاسدون ..

حملت الاخبار الاسبوع الماضي موضوعا مثيرا حقا، وهو توقيف الرئيس الفرنسي الاسبق، نيكولا ساركوزي، للتحقيق معه بتهمة قبول رشوة من الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، لتمويل حملته الانتخابية 2007..
الصحف الفرنسية على وجه الخصوص والاوروبية عموما، أفاضت في متابعة واستقصاء الخبر، وركزت على قيام القضاء الفرنسي بحجز الرئيس السابق لحين استكمال التحقيق، مشيرة الى ان هذا التحقيق يأتي على خلفية اعتراف رجل اعمال فرنسي من أصول لبنانية، يدعى زياد تقي الدين، بأنه ساعد في نقل خمسة ملايين يورو "6 ملايين دولار اميركي”، من رئيس مخابرات القذافي الى مدير حملة ساركوزي قبل اجراء انتخابات 2007..
الرئيس الاسبق ساركوزي لم يعقب علنا، على هذه المزاعم، ولكن الحجز مدد.. ولم يصدر عن القضاء الفرنسي بيان حتى الان، يجيب على كل الاسئلة المطروحة.. ويبقى الباب مفتوحا على كل الاحتمالات.
التحقيق مع ساركوزي سلط الاضواء من جديد على الفساد في فرنسا والدول المتقدمة، وبالذات على الرؤساء الفاسدين، وذكر بان ساركوزي ليس اول الرؤساء المتهمين بالفساد في فرنسا والعالم، فلقد أدين الرئيس الاسبق جاك شيراك 2011، بعد تقاعده بسوء استغلاله أموالا عامة للابقاء على حلفاء سياسيين له في وظائف وهمية.
وأصبح شيراك بذلك أول رئيس فرنسي يدان منذ تواطؤ المارشال بيتان مع النازيين عام 1945.
اتهام ساركوزي وادانة شيراك يستحقان التوقف والتمعن..ويؤشران الى جملة حقائق ومعطيات أهمها:
أن الفساد أصبح وباء عالميا، شأنه شأن السرطان والايدز..الخ، يضرب كل البلدان لا يستثنى بلدا، وتطال امواجه العالية كل المراكز والقيادات.. فها هو يصل الى رئيسي جمهورية فرنسا السابقين، وازيح رئيس جنوب افريقيا مؤخرا لاتهامه بالفساد، وقام الرئيس التنزاني، باعفاء الاف الموظفين من وظائفهم، وكذلك الرئيس الاوكراني، الذي امر بوضع وزيرين فاسدين في حاويات القمامة، واستقال وزير الدفاع البريطاني بتهمة التحرش الجنسي..الخ
الحقيقة الاهم، التي تضيئها هذه الوقائع، وتحتم علينا الاشارة اليها وهي :
ان لا أحد محصنا، ولا احد فوق القانون، مهما كان موقعه، فالجميع يخضعون لسلطة القانون، والجميع يحقق معهم، والمدانون يسجنون اذا ثبتت ادانتهم.
ومن ناحية أخرى، فجرائم الرشوة والفساد بكل اشكاله وصوره، وغيرها من الجرائم التي تنص عليها القوانين، لا تسقط بالتقادم، بل تبقى حية، ويخضع المشتبهون للتحقيق، فالتهم الموجهة لساركوزي وقعت قبل "11”عاما في عام 2007، وها هو يستدعى للتحقيق معهم، ويعامل معاملة اي مواطن مشتبه، فيقوم القضاء باحتجازه حفاظا على سير العدالة، بغض النظر عن الموقع الذي شغله، أو يشغله اليوم.
وهذا يضعنا امام صورة الديمقراطية الحقيقية، فهي لا تساوم، ولا تغض الطرف عن الفاسدين، وتصر على المساءلة والمحاسبة، فهما من أهم ادواتها، ومن أهم شروط وجودها الفاعل، انها مسلحة باسنان فولاذية تهرس الفاسدين والمجرمين، وتسوقهم الى السجون ليلاقوا مصيرهم المحتوم.
باختصار..
ستبقى أفة الفساد، وقد تحولت الى وباء، وسيتكاثر الفاسدون والمفسدون، كما تتكاثر الطحالب والسرخسيات، ما لم تستبدل الديمقراطيات في العالم الثالث اسنانها اللبنية باسنان حديدية، قادرة على هرس الفاسدين، وذلك لن يتأتى الا بالاخذ بشروط الديمقراطية الحقيقية... وآلياتها في المساءلة والمحاسبة.
ولا حول ولا قوة الا بالله.
Rasheed_hasan@yahoo.com