الحكومة والمعارضة .. الانتقال من غرف العمليات الى مطبخ السياسة



سيناريو افتراضي لاحداث ساحة النخيل يقلب موازين العلاقة بين الطرفين .

ليتها تمسك بزمام المبادرة فعلا , اعني الحكومة , لان اكثر ما يقلق في هذه المرحلة حالة الارباك والعجز عن ادارة الازمات , ذكرونا بملف واحد لم يتحول الى مشكلة , ودلونا على قضية واحدة واجهت الحكومة قبل التعديل وبعده لم تتحول الى ازمة تنفجر في وجه الجميع.

بودنا ان نشارك رئيس الوزراء شعوره بعدم القلق والاحتفال معه بالانتصار على اعداء الاصلاح , لكننا بصراحة لا نعرف بواعث الطمأنينة عند البخيت , ولا اعداء الاصلاح المهزومين , فمن السياق يفهم ان الموصوفين بالاعداء هم قوى في المعارضة والاسلامية منها على وجه التحديد . اذا صح هذا التقدير فان السؤال عن جدوى ومعنى مبادرة الحكومة لقاء قادة الحركة الاسلامية واحزاب يسارية معارضة يصبح مشروعا , فما مبرر الحوار مع الاعداء ?

حديث الرئيس ووزير الداخلية مع الاعيان والنواب امس الاول كان في المجمل حديث " عمليات " بالمعنى العسكري للكلمة , فقد ترددت في الاجتماعين عبارات كثيرة عن الهزيمة التاريخية للاعداء بعد النجاح في عزلهم ,ومحاولات التخريب التي تمت محاصرتها . وفي الحديث مع اللجان النيابية سمعنا كلاما يبعث على الرعب عن مخطط لافتعال مواجهة يسقط فيها قتلى وشهداء تكون مبررا للانتقال الى شعار اسقاط النظام بدل اصلاحه , وفي التفاصيل معلومات مثيرة عن امور غاية في الخطورة لا يدركها الناس تنسف الطمأنينة التي يبشر بها البخيت!

هذا غيض من فيض احداث كانت ستقع في ساحة النخيل لو قيض للمعتصمين ان يستحكموا فيها , وبما ان الامر على هذا النحو فالشكر للحكومة واجب لانها جنبت البلاد والعباد ما هو اسوأ وافشلت مخططات " الاعداء " , وذلك انجاز بلا شك تهون في سبيله " اصابات طفيفة " تعرض لها مواطنون وصحافيون " حشروا " انوفهم فيما لا يعنيهم !

والمعارضة من " سذاجتها " تجاري الحكومة في روايتها وتدخل معها في مباراة كلامية وترد بلغة عملياتية ايضا .وتنهل من القاموس نفسه ما يطيب لها من اتهامات لما تسميها بالحكومة المعادية للاصلاح .

وسط هذا التداعي في السياسة والسلوك لا نعرف كيف يمكن ان نبني الاجماع المطلوب للسير في عملية الاصلاح الى الامام . واذا كان كل طرف يصنف الاخر في خانة الاعداء فاين هم شركاء الوطن وحلفاء الاصلاح ?

ارتكبت الحكومة اخطاء فادحة ولازالت تقوض في مجملها جهود التغيير في الاردن , لكن المعارضة " الفسيفسائية " كما وصفها البخيت محقا تتصرف بعض اطرافها بطريقة صبيانية , كل طرف فيها يريد تفصيل الاصلاحات على مقاسه, لا بل ان اطرافا منها تريد تفصيل النظام على مزاجها , وتتعامل مع الشارع باسلوب فوقي , تفرض التصعيد عليه متى تريد والتهدئة متى تشاء .

هذا سلوك مدمر من كلا الطرفين , لا يقيم وزنا لحاجات المجتمع الموضوعية , يعمق الانقسام ويزرع الالغام في طريق الاصلاح . البلاد لا تحتمل التصعيد وتقسيم الناس الى معسكرات متصارعة . ينبغي التخلي عن لغة الاتهامات والانخراط في حوار مستمر للتوافق على استحقاقات الاصلاح والانتقال الى مطبخ السياسة لادارة الشهور الحاسمة بدلا من غرف العمليات الامنية والعسكرية.