كيف يُعتذر للإعلاميين؟

لا يستعدي الإعلام إلا مجنون رسمي. وفي التقدير الموضوعي، وبعيدا عن العواطف، لم تصل المؤسسة الرسمية إلى هذا المستوى. لذا، قبل أن نعيد ترتيب الإدانة، علينا أن نتجاوز فكرة وجود قرار مركزي رسمي باستهداف الإعلاميين جسديا.
لا توجد مؤسسة عاقلة تتحدث عن الإصلاح وتتصرف بهذه الطريقة، فالاعتراف بالأخطاء وبالممارسات غير المسؤولة وبوجود أزمة بين المجتمع الإعلامي والمؤسسة الرسمية وتحديدا الأمنية، يعد بداية الطريق لمسار ليس سهلا لإصلاح هذه العلاقة واستعادة الثقة.
استهداف الإعلاميين وجعلهم وقودا في الصراع السياسي على الأجندة والبرامج السياسية مسألة في غاية الخطورة. ومشهد ساحة النخيل الذي كرر مشهد الأغوار ينحت عميقا من صورة الدولة الأردنية، وقبل تلك الصورة يستنفد مما تبقى من ثقة المجتمع بالإصلاح، وهو ما يجب أن تتنبه إليه النخبة السياسية الرسمية، فهي التي تدفع الثمن السياسي لهذه التصرفات.
لا نعتذر من الإعلاميين بالاسترضاء أو بالمزيد من الشد أو الزج ببعضهم في النار ليعتبر الآخرون؛ الاعتذار الحقيقي يبدأ بإصلاح العلاقة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع الإعلامي، فهي علاقة غير متكافئة، وخضعت على مدى سنوات إلى نمط من الزبونية الرخيصة أو  الابتزاز والعناد الخشن.
الحاجة الماسة والأولوية الأولى تبدو في وقف حملات التحريض والتعبئة والتشويه من قبل الطرفين، والبدء بخطوات جريئة لإصلاح الإعلام وبناء علاقة معافاة مع المجتمع الإعلامي. ولعل الاستراتيجية الإعلامية الأخيرة تصلح أن تكون وثيقة مرجعية لبناء حوار جديد وبأدوات جديدة.
الاعتذار الحقيقي للمجتمع الأردني، وليس الإعلام وحسب، في استعادة الإصلاح وإنقاذه من التشويه الذي لحق به طوال السنوات الماضية، وصبغه بالصبغة والشرعية الوطنيتين.
مرحلة التقاط الأنفاس قد تمنح الأردن فرصة ذهبية لاستعادة إرادة الإصلاح بأبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. هذه الفرصة قد تمتد من ستة أشهر إلى عام، تبدو ملامحها ماثلة اليوم وفرص الفوز بها تكاد تكون مساوية للخسران.
فبرنامج الإصلاح الوطني آن الوقت أن يأخذ حجمه وزخمه الطبيعيين، وأن يخرج من الصورة التي تحاول حشره في مجموعة من المتظاهرين أيام الجمع، يصطدمون مع رجال الأمن وتتحول المسألة إلى دراما إعلامية في اليوم التالي تمنح القوى التي لا تريد الإصلاح المزيد من الوقت للعب بأعصاب البلاد. وهنا تكمن خطورة أن يعي المجتمع الإعلامي دوره ووظيفته في هذه المرحلة.
إن حاجة الأردنيين إلى إصلاح دولتهم ومجتمعهم معاً، تبدأ بخطوات إجرائية عاجلة لإصلاح عقل الدولة المتمثل في إصلاح إعلامي جريء، وفي إصلاح أوضاع الجامعات الأردنية. هذه الخطوة الأولى التي تجعل من التفكير ببرامج الإصلاح الأخرى ممكناً عملياً في بيئات معافاة، وتملك حدا معقولا من القدرة على استعادة قيم الدولة الكبرى وحمايتها.
ليس المطلوب من المجتمع الأردني التطرف في الاعتدال، بل الاعتدال في الاعتدال. وليس المطلوب منه الحرية في المطالبة بالحرية، بل أيضاً الاعتدال في المطالبة بالحرية. مقابل ذلك، على الدولة أن تحترم وعي الناس وكراماتهم، وما بالك حينما يكون هؤلاء الناس هم مصدر المعرفة والحقيقة.

basim.twessi@alghad.jo