هل انتهى عصر الفيسبوك؟ (1-2)



من السابق لأوانه الإعلان بأن امبراطوريات شبكات التواصل الاجتماعي بدأت بالتداعي، فهذه المنصات الإعلامية الضخمة ضخامة أسطورية، أكبر من أن تنتهي في حياتنا هكذا فجأة، ما لم يتفتق العقل البشري عن اختراع بديل ليحل مكان الحيز الضخم الذي تحتله في حياة الناس اليومية.
إن من يدعي أنه لم يكن يعرف الدور الخفي والخطير لهذه الشبكات وخاصة «فيسبوك» إما أنه كان يعيش حالة إنكار أو أنه مخدوع تماما، أو يعاني من جهل مطبق، فمن المستحيل أن لا يستغل صائدو الفرص وجود نحو نصف سكان الأرض ببياناتهم وخصوصياتهم على هذه الشبكات، دون أن تتفتح شهية هؤلاء لاستثمارها وصناعة المليارات من الثروة، كما لا يمكن أن تفوت هذه الفرصة على من يريد أن يحكم العالم ويتحكم بمصائر البشر، ويوجههم الوجهة التي يحب!
أزمة «فيسبوك» الأخيرة كشفت هشاشة القيم التي تحكم العالم المتوحش اليوم، فقد تبين أن موقع التواصل الأكثر شهرة في تاريخ البشرية، كان منصة لبيع خصوصياتهم، بل كان مستخدمو الموقع مجرد «سلعة» للبيع، ولهذا خرج مؤسس موقع فيسبوك مارك زوكربرغ عن صمته الطويل ليعبر يوم الأربعاء عن أسفه مقرا بحصول أخطاء بعد جدل مستمر منذ أيام حول استخدام غير مشروع للبيانات الشخصية لملايين المستخدمين من قبل شركة كامبريدج أناليتيكا البريطانية. وقال زوكربرغ في مقابلة مع شبكة سي إن إن بأن ذلك شكل استغلالا كبيرا للثقة وأنا آسف فعلا لما حصل. نحن مسؤولون عن التأكد من عدم تكرار ذلك!! .
ورغم اتساع رقعة الفضيحة المدوية، ظل زوكربرغ على صمته حتى يوم الأربعاء عندما نشر على صفحته في فيسبوك إقرارا منه بحصول أخطاء وأنه يتحمل مسؤولية ما حصل، لكن من دون أن يعتذر. وبعد ذلك بقليل أعربت المسؤولة الثانية في الموقع شيريل ساندبرغ عن الأسف . وتعهد زوكربرغ بأن يحد من وصول تطبيقات الجهات الثالثة إلى البيانات الشخصية وإخضاعها لمراجعة دقيقة، كما تعهد بإبلاغ جميع المستخدمين الذين يمكن أن يكون قد تم استخدام بياناتهم من دون موافقة منهم. وقد تبين أن شركة كامبريدج أناليتيكا جمعت من دون علم من الموقع بيانات 50 مليون مستخدم لتطوير برنامج يتيح توقع تصويت الناخبين والتأثير عليه من اجل التدخل في الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب في 2016. وقال مسؤول سابق في فيسبوك إن كامبريدج اناليتيكا استخدمت تطبيقا ثالثا يدعى ذيس إيز يور ديجيتال لايف طوره الباحث الروسي ألكسندر كوغان لحصد هذه البيانات، مستغلا ثغرة كان هذا الموقع على علم بها. وأكد ساندي باراكيلاس المسؤول السابق في تطوير فيسبوك أمام لجنة في البرلمان البريطاني انه ما إن تخرج البيانات من خوادم فيسبوك، لا تعود هناك أي رقابة ولا يعرفون على الإطلاق ما سيحدث. إنهم يفضلون ألا يعرفوا، وأضاف باراكيلاس أن فيسبوك كان على علم بما يحصل ولم يبلغ أحدا. إلا أن فيسبوك يقول انه علم في 2015 أن كوغان سلم هذه البيانات إلى كامبريدج اناليتيكا وأن الباحث نفسه أكد انه تم مسح هذه البيانات وهو ما تبين انه غير صحيح. وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز قال زوكربرغ انه حتى بعد منع وصول المطورين إلى بيانات فيسبوك كما هو مقرر، ستظل هناك مشكلة وجود شركات أخرى على غرار كامبريدج اناليتيكا أو مطورين مثل كوغان الذي عندما كان يتم تشغيل المنصة بشكل معين في السابق كان هناك تطبيقات وصلت إلى مزيد من المعلومات وباعتها من دون علمنا !
يعني أن المشكلة قائمة، ويبدو أن لا حل لها، إلا حذف الفيسبوك، وهو ما يعني انهيار أكبر امبراطورية رقمية استثمارية شهدها تاريخ البشرية!