زاوية فهد الفانك تغيب عن الساحة الإعلامية



كنت أغبط هذا الرجل، الذي يواظب على كتابة مقاله اليومي في عمود الرأي على الصفحة الأخيرة، حيث لم يكن يتخلف عن الكتابة في جميع أيام الأسبوع بما فيها يوما الجمعة والسبت، وكنت عندما أمسك بالجريدة أبدأ بزاوية فهد الفانك، وربما كثيرون يفعلون ذلك، وعمود الأستاذ فهد مختصر ويحمل فكرة واضحة ومحددة، سواء اتفق معه الآخرون أو اختلفوا لكنه صاحب رأي وفكر بكل تأكيد.
يمتاز الأستاذ فهد الفانك بأنه جريء فعلاً، وربما تظهر ملامح جرأته في مخالفة الانطباع العام ومخالفة الرغبة العامة للجمهور أحياناً، فهو لا يبحث عن الشعبوية، وكان يُتهم أحياناً بأنه يسوّق رأي الحكومة، ولكنه كان يخالف أحياناً ما عليه الحكومة بوضوح وينتقد بقسوة، وخاصة في المسائل الاقتصادية في الأعم الأغلب، وفي الوقت نفسه لا يهمل الشأن السياسي الداخلي والخارجي، وكان يحاول دائماً أن يأتي بجديد، وأن يظهر وجهاً جديداً في المسألة غفل عنه الكتاب والمحللون.
منذ عدة أيام لاحظت أمراً غريباً وملفتاً للنظر فقد رأيت أن زاوية فهد الفانك قد غابت عن جريدة الرأي؛ فعلمت أن في المسألة أمراً جللاً، وفعلاً لقد صدمت بخبر وفاة الكاتب فهد الفانك وعلمت أن الأردن خسرت أحد فرسان الكلمة، وخسرت كاتباً عملاقاً من كتاب الأعمدة الصحفية المرموقين على مستوى الأردن وعلى مستوى العالم العربي، بل على مستوى العالم.
اختلفت مع الرجل كثيراً في الرأي والفكر، ولقد تناولني في كتاباته أكثر من مرة في معرض النقد، وكتب مرة (رحيل غرايبه بنظارات سوداء) ولكني كنت أقرأ نقده باحترام وتقدير لما يتمتع به الرجل من لغة علمية رصينة، وجرأة بالطرح والصدع بالرأي المخالف دون إسفاف ودون هبوط، وقد امتاز بالرد المختصر الذي يدخل من خلاله إلى الرأي المطلوب مباشرة دون لف أو دوران، وهذه ميزة في الكتابة لا يستطيعها كثيرون، وأصبح منهجاً واضحاً لفهد الفانك يضرب به المثل في عالم الصحافة.
لقد سمعته مرة يتحدث في عزاء المرحوم أحمد قطيش الأزايدة في مأدبا، حيث كان أبو بلال أحد أعلام الحركة الإسلامية وأحد أشهر قادتها وأحد نوابها في برلمان (1989)، وكان رئيساً لبلدية مأدبا قبل ذلك وعمدتها، وعندما سمعت رأيه في الرجل كبر في عيني فعلاً، لأنه في ذلك الوقت كان مستوى الوعي السياسي العام لدينا ليس بذلك المظهر الذي نشهده في الوقت الحاضر ولم يسمح بعد بالتعددية وتشكيل الأحزاب السياسية، ولم نتدرب بعد على اختلاف الآراء وتقبل الرأي المخالف.
رحم الله الأستاذ الكاتب الكبير فهد الفانك، وأحسن العزاء لأهله وذويه وأصدقائه، ولكل الشعب الأردني، ونخص بالعزاء الإعلاميين والصحفيين والكتاب وجريدة الرأي وكل أصحاب الكلمة والرأي من رجالات الوطن وأصحاب الهم العام.

التعليق