حقوق الإنسان ليست خيانة للوطن



تستعد مؤسسات المجتمع المدني في الأردن لتقديم تقاريرها للاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان UPR مع نهاية شهر آذار (مارس) الجاري 2018 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، بعد أن كانت آخر مراجعة للأردن في تشرين الأول (أكتوبر) 2013.

التقارير التي تقدمها مؤسسات المجتمع المدني ليست سرية، بل تعلن على موقع مفوضية حقوق الإنسان، وتصبح متاحة للجميع للاطلاع عليها، ومن حق الكل نقدها وتمحيصها، وهي في نهاية المطاف وجهة نظر لمؤسسات المجتمع المدني في واقع حقوق الإنسان في بلادهم، وهي تذكير لأصحاب القرار للقيام بخطوات فاعلة لتذليل العقبات أمام تحسين مناخ حقوق الإنسان.

ما تفعله مؤسسات المجتمع المدني، ستقوم به طوعاً المؤسسات الوطنية والدولة الأردنية، فالمركز الوطني لحقوق الإنسان سيقدم تقريره أيضاً، والحكومة سترسل تقريراً وطنياً مع نهاية شهر تموز (يوليو) 2018 لتشرح باسهاب التقدم المحرز الذي أنجز في الأردن في هذا الميدان.

تملك الدولة الأردنية فرصة ثمينة لتظهر للعالم مدى احترامها والتزامها بأجندة حقوق الإنسان، والمطلوب منها أن تتعامل بجدية مع (126) توصية قدمت لها في الاستعراض الدوري السابق ووافقت عليها، وتعهدت بإنفاذها والاستجابة لها.

الأردن ليس دولة مارقة، وهي تحترم التزاماتها، وخروقات حقوق الإنسان التي تقع فيها غالبيتها ليست جسيمة، وتستطيع التصدي لها، والحد منها، إذا ما اقترنت النوايا الطيبة بالعمل الجاد.

التقدم بمسار حقوق الإنسان ليس ترفاً، وتباهياً، أو مراضاة للمجتمع الدولي، وإنما مصلحة وحاجة اردنية تعزز تماسك المجتمع وسلمه الأهلي، وضرورة لصون الأمن ومكافحة الإرهاب.

في الأردن مركز وطني لحقوق الإنسان يتمتع بهامش جيد من الاستقلالية، ويصدر تقارير ترصد وتوثق الانتهاكات، ويهتم لأمره الملك ويصدر توجيهاته للحكومة للأخذ بتوصياته وملاحظاته.

وفي الأردن أيضاً مبادرة رائدة تمثلت بتأسيس مكتب المنسق الحكومي لحقوق الإنسان التابع لرئاسة الوزراء، ومنذ انطلاقته ومديره باسل الطراونة يعمل بشكل مكثف على التواصل مع المجتمع المدني، ويسعى لبلورة استراتيجية لحقوق الإنسان تنهي حالة التخبط، والتقدم خطوة والتراجع خطوتان دون معرفة الأسباب.

في عام 2013 وقبيل الذهاب للاستعراض الدوري اتصلت مع رئيس الوفد الوطني الوزير الدكتور محمد المومني وقلت له من غير المعقول أن تسافروا إلى جنيف دون اللقاء مع وفد مؤسسات المجتمع المدني الذي سيكون هناك، لابد من التنسيق والتشاور، وفعلاً التقينا وتحدثنا بصراحة وشفافية.

ما حدث في عام 2013 تجاوزته مؤسسات المجتمع المدني والحكومة والمؤسسات الوطنية، فمنذ العودة من مجلس حقوق الإنسان قبل أكثر من 4 سنوات "وطاحونة" التشاور والتنسيق مستمرة، صحيح أن العملية ليست سهلة وتواجه بعقبات، والغاية ليست خلق تطابق بوجهات النظر بين كافة الأطراف فهذا مستحيل، ولكن المطلوب تحقيق أكبر قدر من النجاح وإنفاذ التوصيات حتى تتحسن مؤشرات الأردن الحقوقية، وهذا منجز وهدف لنا مصلحة به جميعاً.

أكثر من اجتماع ولقاء شكل محطات فارقة في مسار التنسيق بين المجتمع المدني والحكومة، ففي آذار 2017 انطلقت أولى المبادرات في مؤتمر وطني تشاوري انبثق عنه "مصفوفة" ترسم صورة واقعية لما أنفذته الحكومة في توصيات UPR، وسبق ذلك التوافق على تقارير إفصاح حكومية، وتقارير رقابة مدنية.

في الأسابيع الماضية نظمت التحالفات التي أسستها مؤسسات المجتمع المدني ملتقى جمعها مع النواب والحكومة لتدارس التشريعات والمواد القانونية التي تحتاج إلى الإسراع في تعديلها حتى يتحقق أكبر إنفاذ للتوصيات التي وافق عليها الأردن، والخطوة القادمة أن تعرض منظمات المجتمع المدني على الحكومة التوصيات التي قدمتها بتقاريرها، حتى تتيح أكثر وقت للحكومة وللفريق الوطني للتعامل والاهتمام بها.

الاهتمام بالآليات الدولية واستخدامها وإعطاء حقوق الإنسان أهمية ليس خيانة للوطن، وإنما حماية ودفاع عنه، ومن لا يفعل ذلك، يدفن رأسه بالرمال، وهو في غي عظيم، وسبات عميق.