الاقتصاد الأردنيّ: ركودٌ مدفوعٌ بالضرائب.
الحكومة الأردنيّة، وفي ضوء تنفيذها للخطة الثلاثيّة (2019-2017) للتصحيح الاقتصاديّ، كانت قد ارتكزت على نهج (تعزيز الإيرادات الضريبيّة) بشكلٍ رئيسيٍ، وبدون أيِّ تنبُّه لإمكانية وواقعية خُطط أخرى من شأنها تحقيق ذات النهايات وبأقل الضرر؛ مثل: ترشيد الإنفاق الحكوميّ، و كبح التهرب الضريبيّ، و وقف التهريب عبر الحدود، و لجم الفساد والرشوة، و إعادة دمج عشرات الهيئات والمؤسسات العامة في جسم الحكومة المركزية ممثلةً بالوزارات.
الحكومات السابقة، بدءًا بالدفعة الأولى من الخطة الإصلاحية في ظل (د. عبدالله النسور) و من بعدها، الحكومة الحالية (د. هاني الملقي) كانتا قد أخذتا على عهدتهما مَهمَّة تحصيل (ما يقارب 450 مليون دينارًا أردنيًا) في كل عام بُغية تقليل عجز الموازنة العامة والذي من شأنه لجم الاقتراض لتمويل العجز المُعتاد، وفعلًا تم ذلك عبر حملة كثيفة لوقف الإعفاءات و رفع النسب الضريبية و إنهاء الدعم الحكومي لجملة سلع وخدمات.
الذي حصل و يجري و سوف يتضح قريبًا على أرض الواقع، أنَّ إجراءات الحكومة الضريبية عملانيًا قد أكلت جزءًا كبيرًا من القوى الشرائية للمواطنين والسكان، وفي تقدير خاص، ستتراوح نسبة تآكل القوة الشرائية بما لا يقل عن (20%) من الدخل، مم يُعني تراجع الطلب على السلع والخدمات عامةً، مم يُعني نشاطًا اقتصاديًا متباطئًا، مم سيقود لتراجع المبيعات، وتراجع التوظيف، وبالتالي تراجع صافي الأرباح الخاضعة للضريبة، مم يُؤدي إلى تراجع تحصيلات الدولة الضريبية لاحقًا، وليس من باب المبالغة التقدير بأنَّ الدولة سوف تخسر ذات المبلغ (450 مليون دينارًا) من العوائد الضريبية للخزينة العامة في غضون عام واحد تقريبًا، مم يُعني بأنَّ كامل خطط تعزيز الإيرادات عبر الضرائب قد فقدت أثرها على المدى المتوسط.
السيناريو السيء، أن تقع أزمة رهن عقاري على إثر عجز (أعداد كبيرة من المستثمرين في قطاع العقارات و معهم المواطنين الذين قاموا بشراء عقارات عن طريق قروض مصرفية) بالعجز عن تسديد التزاماتهم وأقساطهم البنكية كنتيجة لحالة الركود.
والسيناريو الأسوأ هو أن يتم معالجة الركود الاقتصادي المزمن بفعل (التضخم للأسعار الناتج عن الأحمال الضريبية) بضخ (إصدارات نقدية) لتحريك النشاط الاقتصادي، وهنا قد تكون الهاوية، خاصةً إذا تضرّر (سعر الصرف للدينار) مقابل سلة العملات الأجنبية، فترتفع قيمة المستوردات، و تتضاعف نسبة التصخم، وتتضرر تنافسية المستوردات، ثم يتأثر سعر الفائدة ارتفاعًا لمواكبة التضخم، فتتضرر البنوك، وهكذا من سلسلة تداعيات سلبية على كافة المؤشرات الاقتصادية؛ وقد يكون الشيء الإيجابي الوحيد هنا هو تحسين القدرة على سداد الدين الداخلي و المُصدَّر بالدينار، والذي تتجاوز نسبته النصف من إجمالي الدين العام على الدولة.
الأردن، وللموضوعية، فإنه يمتلك من (الكفاءات العلمية و الأكاديمية والاقتصادية) أفضل المستويات، و جزءٌ كبيرٌ منهم منخرطٌ في العمل الحكومي، لكن كل ذلك لا ينسجم مع مستويات التضارب و التخبط و الارتجالية في صنع و اتخاذ القرار، ولنا في إلغاء قرار (رفع ضرائب الأدوية) مثالًا على ما يحدث في مطبخ القرار؛ كما يَظهر ذلك في الاندفاع والسرعة التي طَبَّقت فيها الحكومة عددًا هائلًا من الرفوعات الضريبية في مدةٍ قصيرةٍ من الزمن مدفوعة بحالة (سكون و تململ و توجس) شعبي عام لم يصل لدرجة القبول و لا الاحتجاج.
إنَّ المتأمل لكليَّة و تفاصيل المشهد اليوم في الأردن يُدرك بأنَّ ثَمَّة غُموضٍ في مرجعيات و مراكز النفوذ، وواضحٌ بأنَّ ثَمَّة تدافعٍ و تهافتٍ مُريب يقع بين الجانب العميق و السطحي من الدولة، و يُخشى أن يقود ذلك إلى تملّص الجميع من مسؤولياته، وضياع تبعيَّات الولاية العامة بين المساءلة والمحاسبية؛ الأمر الذي يلحق ضررًا بمستويات الشفافية وحالة اليقين المتكيء على جملة ملفات يشوبها الجهالة و فقدان الاتجاه.