باب الحارة والضحك على المواطن العربي

كتب تحسين التل:- تعود المواطن العربي على مشاهدة مسلسلات تاريخية أو شعبية تصور له بطولات الإنسان العربي حتى لو كانت بطولات مصطنعة، تقع بين أبناء المدينة، أو الحي، أو الحارة نفسها، أو كما يحصل في المسلسل التافه باب الحارة في أجزائه الأخيرة، وتحديداً من الجزء الرابع وحتى الجزء التاسع، إذ أن عمليات الإسقاط الفاشلة المستخدمة في كل حلقة كانت غير موفقة، ويمكننا أن نقول أن الذي كتب الأجزاء قام باستخدام سيناريوهات، وجمل، وكلمات بعيدة عن الواقع، أي أنها مفتعلة، ومن المستغرب أن تتكرر في كل حوار ومشهد يجري بين الشخصيات، بحيث أن المواطن العربي حفظها عن ظهر قلب.

المسلسل بأجزائه الستة المتبقية والتي تُعرض على إحدى الفضائيات فيه من الأخطاء، والمغالطات، والسقطات الفنية ما يجعل منه وممن يقفون خلفه أضحوكة عند المشاهد العربي الذي لا يقنعه التكرار بقدر ما يقنعه الحوار الجيد، والحبكة الفنية الراقية.

المسلسل كله يحوم حول شخصية أبو عصام الذي يقوم بتمثيلها الفنان عباس النوري، وأهل بيته، ابتداءاً بالفنانة الكبيرة صباح الجزائري التي توفقت في الأجزاء الأولى وفشلت في الأجزاء الأخيرة، وشخصية العقيد الذي أصبح طرطور الحارة، والمزواج عصام ويؤدي دوره ميلاد يوسف، غير الموفق في الأجزاء المذكورة في هذا التقرير، ومحاولة المخرج تركيب حبكة غير مقنعة؛ المفروض أن تعمل على شد انتباه المشاهد العربي في الجزء السادس عندما قام الواوي بضرب عصام بالشبرية في ظهره وقيام العقيد معتز بإطلاق النار على رأس الواوي؛ يتكرر ذات المشهد في الجزء السابع عندما يقوم هلال برفع المسدس على عصام ومحاولة قتله، فيقوم العقيد معتز بإطلاق النار على صدر المجرم هلال ويقتله مخلصاً شقيقه عصام من القتل.

كان الكاتب والمخرج يبدأون عملهم في كل جزء بقصة غريبة عن حارات الشام، على سبيل المثال؛ يُدخلون حرامي يسطو على بيوت الحارة، ويتهمون العقيد بأنه غير جدير بأن يكون حامياً وعقيداً للحارة، وعندما يدخل معتز في مشكلة يقوم أبو عصام بتأنيبه، وضربه، وإهانته أمام الناس، ومعروف أن شخصية العقيد في التاريخ العربي كانت لها هيبة، ووقار، ورجال يحيطون به لحمايته من الغدر، وبسط النفوذ على الحارات، وتقديم الخاوات إرضاءاً له، وتنقسم شخصية العقيد الى قسمين، الأول، عقيد يعتمد على البلطجة، والحصول الخاوات، وتخويف الناس، وإذلالهم، والشخصية الثانية، موجودة لحماية الناس والمحافظة على حقوقهم، وتعمل هذه الشخصية بالتنسيق مع الشرطة والداخلية لحفظ الأمن وتوفير الأمان لكل حارة، وتتفق مع مختار الحارة لتحصيل الضرائب، أو للتبليغ عن حدوث المشاكل، والمساهمة في حلها جنباً الى جنب مع رجال الأمن والقضاء، هكذا هي شخصية العقيد التي سمعنا وقرأنا عنها في التاريخ.

حاول المخرج وكاتب العمل القفز بين المشاهد دون حساب للوقوع في التكرار، أو إدخال شخصيات لا لزوم لوجودها على الإطلاق مثل شخصية تنكة (جمال العلي)، وشخصية الحرامي في الجزء السادس، وشخصية بائع الخضار، كان الأولى الإبقاء على شخصية أبو مرزوق التي يشخصها الفنان القدير محمد الشماط، أما إدخال ممثل بحجم العملاق أسعد فضة ومنحه دور مساند؛ فقد أساء كثيراً للفنان أكثر مما خدم العمل أو خدم الممثل نفسه، إذ معروف عن الفنان الكبير أسعد فضة أنه بإمكانه ووفق قدراته الفنية الكبيرة أن يكون بطلاً لعملاً فنياً ضخماً كما هو معروف عنه في الدراما السورية، وشخصية أبو حاتم المحورية بعد وفاة الممثل وفيق الزعيم لم تكن على المستوى المطلوب عندما جاءوا بالممثل سمير صبري، والممثل عبد الهادي الصباغ في الأجزاء الأخيرة، مع أن الصباغ جاء بشخصية الأعمى، وشخصية أبو حاتم صاحب القهوة، شخصيات بديلة لم تكن موفقة على الإطلاق بل أساءت للعمل برمته.

شخصية أبو جودت تمثل رجل الأمن المستهتر، البعيدة كل البعد عن مهنة معروف عنها أنها من المهن الشريفة عبر التاريخ العربي والإسلامي، المرتشي الذي لا يقبل أن يحل المشاكل إلا بعد الحصول على المال، أو الهدايا، أو بعض الطعام، يجسد الشخصية فنان قدير عرف كيف يتلاعب بشكل الشخصية وجوهرها لكن الكاتب في الأجزاء الخمسة لم يوظفها بالشكل الصحيح، فانعدمت جاذبيتها وأصبحت تشكل عبئاً على الأجزاء الأخيرة، وهناك خطأ كبير وقع فيه المخرج وربما لم ينتبه له كثير من العرب أن أبو جودت يحمل رتبه جندي أول (شريطة واحدة)، وظل يحملها من الجزء الأول ولغاية الجزء التاسع، دون أن يحصل على ترفيع واحد، ومعروف أن ترفيعات ضباط الصف في الجيش أو الدرك، أو الأمن وفي أي مكان في العالم؛ تكون كل ثلاث سنوات شريطة واحدة، وإذا كان مخلصاً لعمله يمكن أن يرفعه القائد ميدانياً ويختصر عليه مدة السنوات الثلاث.

نحن شاهدنا أبو جودت (زهير رمضان) يحمل رتبة بسيطة جداً، ويقود مخفر مسئول عن أربع حارات، منذ الحكم العثماني، مروراً بالاستعمار الفرنسي وهو على حاله لا يترفع الى رتب أعلى مع أنه عميل للاستعمار، ويمارس ذات الدور القميء المكروه من قبل المواطن العربي.

أما حارة أبو النار فلم يكن هناك داعٍ لوجودها لأنها لا تضم سوى بعض الشخصيات مثل العقيد أبو النار الذي كان دوره في الأجزاء السابقة افتعال المشاكل على أتفه الأسباب مع حارة الضبع وصراعه مع أبو شهاب، ومع مرور الوقت أصبح أبو النار (علي كريم) بلا عمل وبلا فائدة تذكر سوى بعض المشاهد التي صورته هو وأبو الحكم يستخدمان المطرقة لتجليس حذوة البغل، أو العمل على تركيب حذوة لحصان عابر، أو يجلسان أمام الدكان يشربان الشاي، وما دون ذلك لم يكن له دور يُذكر، وكانت تتألف حارة أبو النار من أربعة أشخاص فقط، العقيد، وأبو الحكم، وتنكة، والنمس، وكانت أغلب الحوارات تصب في بعض الحركات والكلمات التي كان يطلقها النمس (مصطفى الخاني) لتضيف للعمل بعض الفكاهة غير المطلوبة.

سقطات كثيرة تناولها المواطن في سوريا والأردن وفلسطين ولبنان ودول عربية كثيرة وشاهد الأخطاء الكارثية التي حدثت في الأجزاء الخمسة الأخيرة، وجعلت من بعض المشاهد والحوارات المكررة سبباً لإغلاق المحطة أو تغييرها والبحث عن مسلسل آخر، أو خبر يشفي غليل المشاهد العربي.

بالتأكيد الأجزاء الثلاثة الأولى من باب الحارة كانت من أفضل ما قدمته الدراما السورية وتفوقت على كثير من الأعمال الفنية الناجحة، وقدمت العقيد أبو شهاب صاحب الموقف الجريء، عقيد الحارة الذي ثار على الاستعمار ودعم بالسلاح الثوار في فلسطين، بالإضافة الى شخصية أبو عصام كانت موفقة جداً في الأجزاء الأولى، وكم كنا نتمنى أن المسلسل توقف عند أجزائه الثلاثة الأولى، والبحث عن عمل آخر يليق بالدراما السورية، لكن للأسف، الطمع في الحصول على نسب مشاهدة عالية وبالتالي أرباح ضخمة
دون تخطيط جيد؛ أدى الى التهور والفشل.

هذا ما استطعت أن ألخصه خلال متابعتي لمسلسل باب الحارة بأجزائه التسعة، وكأي مواطن عربي وناقد للأعمال العربية أقول أن العمل كان موفقاً في الأجزاء الثلاثة الأولى، أما بقية الأجزاء فلا تستحق عناء المشاهدة، وكانت برأيي مضيعة للوقت، وعملية لفت نظر لبعض المشاهد أو السكتشات السريعة لا أكثر ولا أقل.