على رأي المثل!
يقول المثل الشعبي "الكلام الزين بسد الدين"، ويقول مثل آخر "المنطق سعادة" وعلى النقيض من ذلك فإن أحاديثنا العامة مليئة بالسلبية والسوداوية والتذمر والغضب لأسباب مختلفة، بعضها لا علاقة له بالأزمة الاقتصادية، ولا بالحكومة ومجلس النواب، ولا الوضع الإقليمي المأساوي، ولا الدولي الضبابي، وإنما هو مزاج عام إن لم يكن فيه متذمرا منتقدا، فأنت ساذج حتما!
كثير من الأصدقاء خففوا من تواصلهم، وبدأوا يمارسون الانعزال المنزلي، والنوم المبكر، وحين تسألهم "أين أنتم يا جماعة؟" يردون بنوع من الكآبة، ولسان حالهم يقول: "سئمنا من الكلام المكرر، وسمات البدن" نجلس أمام شاشة التلفزيون، ونتنقل بين المحطات على أمل أن نعثر على فيلم قديم بالأبيض والأسود، ربما شاهدناه للمرة العاشرة، المهم أننا نتجاوز بسرعة أخبار القتل والدمار، والندوات الحوارية الصاخبة إلى أن نمل ويغلبنا النعاس!
يقول أحد الأصدقاء أنا مهتم بقراءة الإصدارات الحديثة، وبعض المقالات النقدية، ولكن حتى في هذا الفضاء الثقافي تصدمك المبالغة في تشخيص المآسي الإنسانية التي يعيشها أبطال الرواية، وكأن منطلق التفكير كله قائم على جانب واحد مظلم من جوانب الحياة العديدة والمتنوعة.
حتى البرامج الإذاعية والتلفزيونية قلما نجد فيها برنامجا يبث قدرا من التفاؤل والأمل أو يعكس صورة جميلة لبراءة الأطفال، وطيبة الأجداد والجدات، وجمال الطبيعة، وبساطة العيش، ونعمة السكينة والأمان، فتلك على ما يبدو أمور غير جاذبة لانتباه المستمع والمشاهد!
وزد على ذلك تراجع الكياسة في تخاطب البعض مع الآخر "نصحان، ضعفان، وجهك أصفر، صوتك تعبان" وكله من صنف الكلام الذي ينطبق عليه عكس ما ذهب إليه المثل "المنطق سعادة"!
ليس من المعقول ألا تدرك المؤسسات المعنية بالثقافة المجتمعية الضرر الناجم عن عدم تحركها في اتجاه إشاعة قدر معقول من الطاقة الإيجابية، فالسلبية والكراهية وجهان لعملة واحدة، وأخشى أن الكراهية هي السبب في عجزنا عن سد الدين!