فضيحة الاعتداء على الصحافيين
كنت أتمنى أن يمر اعتصام 15 تموز في ساحة النخيل من دون مشاكل، خاصة مع الصحافيين. وكنت متحمسا لخطوة الأمن العام بالتنسيق وبحث التفاصيل الفنية والميدانية للاعتصام لتجنب أي اعتداءات على الصحافيين. لكن ما حدث كان صادماً ومؤلماً. وقد كنت شاهد عيان، وصلت مبكراً في حدود 12 ظهراً للتنسيق مع المكتب الإعلامي في مديرية الأمن ومساعدة الصحافيين في استلام "ستراتهم" المميزة باللون البرتقالي.
المعلومات الأولية التي التقطناها تفيد بأن 1200 رجل أمن عام عهد إليهم حماية وضبط الاعتصام في الميدان. وكانت المعلومات المؤكدة بأنه لن يسمح بتاتا بالاعتصام المفتوح. والتقط الصحافيون صوراً لمدنيين يحملون خناجر وسيوفا ممن يعارضون المسيرات الاحتجاجية، وأبلغنا جهازي الأمن والدرك بهذه الواقعة وسلمت لهم نسخاً من الصور حتى يتخذوا إجراءات وقائية.
المهزلة بدأت عند وصول المسيرة بحدود الواحدة والنصف ظهراً، سبقتها سيارات وتجمع لعدد محدود ممن يعتبرون أنفسهم موالين. ولم يكن يفصل بين الطرفين سوى أمتار وكانوا يحاولون الاحتكاك بالمحتجين من شباب الحراك الشبابي، والأمن يبذل جهوداً لمنعهم على طريقة "أرجوكم ما بيصير.. هذا الكلام عيب". وما هي إلا لحظة حتى تحول الشارع الموازي لساحة النخيل إلى ساحة حرب؛ الشرطة المنضبطة والهادئة تنهال بالضرب بالهراوات "والقايش". وبالطبع تسللت مجموعة ممن يدعون الموالاة ليساهموا في الاعتداءات على المحتجين على طريقتهم مثلما جرى في دوار الداخلية.
الصحافيون كانوا الضحية الأولى. فحين تحركوا للتصوير والتغطية كانت الهراوات السبيل لمنعهم، وكل التعهدات بأن "السترات" ستميزهم وستنقذهم من الاعتداءات ذهبت أدراج الرياح، وصاروا هدفاً سهلاً. الاعتداء على الصحافيين هو جزء من السيناريو. فإذا كنت تريد طمس الحقيقة، فإنك لن تستطيع أن تفعل ذلك وكاميرات الصحافيين في كل مكان، فأصبحوا الهدف الآخر الذي لابد منه.
انتهت موقعة النخيل وبدأنا نحصي جرحانا ونتفقد ما حدث، واستمر السؤال: لماذا نقضوا العهد، وماذا سنفعل بعد ذلك؟
ثقة الإعلام بالحكومة والأمن انهارت، وتحتاج إلى وصفة سحرية لترميم الجسور، وإلى أفعال تعيد البناء. ولكن قبل ذلك على الحكومة أن تتخذ تدابير لا غنى عنها. فهي مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، وبكف يد من يشتبه بمسؤوليته عن هذه الاعتداءات عن العمل، وأن تمتد المحاسبة لمن أعطى الأوامر ومن نفذ ومن سكت عنها، وأن تكون إجراءات التحقيق والمحاكمة علنية، وأن يعوض الصحافيون الضحايا وأن ينصفوا.
من طرفنا لا نقبل بلجان تحقيق لا تفضي إلى نتائج، ولن نسكت مقابل اعتذار خجول وباقة ورد. والمطلوب أن نوثق كل الانتهاكات التي وقعت ونذهب بها إلى القضاء؛ فالردع لا يتحقق إذا أفلت الجناة من العقاب.
السبيل إلى مواجهة هذا التعامل مع الإعلام هو في وحدة الجسم الإعلامي خلف مطلب أساسي وهو حرية واستقلالية عمله، وأن نتذكر ونحن في هذه المواجهة أن هناك محاولات بدأت لزرع الفتنة في الوسط الصحافي، وذر رماد التضليل وتزييف الحقائق أملاً في إنقاذ من سيطاح بهم في معركة الدفاع عن حرية الإعلام.