الأمن: سيادة القانون وحقوق الإنسان



أحسن مدير الأمن العام الجديد الباشا فاضل الحمود بالحديث عن سيادة القانون كمحدد يلتزم به جهاز الأمن العام في عمله وممارسته وسلوكه.
لا أحد فوق القانون، ولا أحد يطوّع القانون لخدمته، ولا أحد يُسمح له بخرق القانون مهما كان، هذه أول رسالة وصلت المدير الجديد للأمن العام قبل مباشرة عمله بعد الشكوى التي تقدم بها سائق "جت" عن مظلوميته، وانتشرت مثل "النار بالهشيم".
نعلم المزايا الإيجابية التي يتمتع بها فاضل الحمود طوال خدمته في جهاز الأمن العام، ويُشهد له بالحرفية وروح المبادرة الخلاقة، غير أن الميزة الجديدة التي اكتسبها الحمود وتختلف عن أقرانه السابقين الذين تقلدوا قيادة جهاز الأمن العام، أنه عمل ما يقارب 5 سنوات بعد تقاعده من الأمن العام مديراً للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، وهذا "أنسن" رؤيته للقضايا الأمنية، وعزز البعد الحقوقي في معالجاته، فهذه الوظيفة تحديداً أتاحت له الاطلاع على تفاصيل كثيرة ستدفعه الى تبني المقاربات الإنسانية أكثر وأكثر، والتشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني لبناء منظومة أمنية وقائية لمكافحة الجريمة وحفظ الأمن.
هذا الكلام يقود لمناقشة مقولة "الأمن الناعم" و"الأمن الخشن"، ولو سألت لأجبت بأنه هذه المصطلحات لا توجد وهي اختراع أردني، فاحترام رجل الأمن للمواطن في كل الأحوال حتى ولو كان "مجرماً" واجب عليه، وإذا تصرف عكس ذلك وتعامل على سبيل المثال بعنف مع "مجرم"، أو "بعنهجية" وبلغة غير مؤدبة مع مواطن، فهو يرتكب مخالفة ويتوجب معاقبته، فاحترام كرامة الناس وعدم تعريضهم لمعاملة مهينة ولا إنسانية حق لا يقبل التجاوز عليه، مهما كانت الظروف والمبررات.
ولذلك نعود لأسطوانة "الأمن الناعم والخشن"، لنؤكد أن هناك سيادة قانون، يقابلها ولا يقل شأناً عنها حقوق غير قابلة للتصرف، وهذا يستدعي اهتماماً متزايداً من قبل المدير الحمود.
السؤال المهم كيف نحترم حقوق الإنسان ونلتزم بمبادئ سيادة القانون؟!
في الدول التي ترسخت فيها الديمقراطية، هذه الأسئلة بديهية لا تُطرح ولا تُناقش، هل يمكن أن تسأل في "هولندا" التي لم يعد عندها سجناء عن احترام حقوق المساجين، وهل يُناقش الحق في حرية التجمع والتظاهر السلمي في أوروبا وأميركا؟
بالتأكيد يشكل الأردن حالة متقدمة على دول الجوار في سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، وهذا مصدر فخر لنا، وسنواصل العمل والمطالبة للارتقاء بمنظومة حقوق الإنسان خطوات للأمام لنصبح أنموذجاً يمتن قوة الدولة الأردنية.
كثيرون يستحضرون سنوات ما سمي "بالربيع العربي" ليدللوا على سياسة "الأمن الناعم" التي اتبعها جهاز الأمن العام، ولا أوافق على هذا الرأي، فالحرص على الأمن لا يلغي الحقوق، والحقوق ليست منّة أو سخاء أو تبرعاً، فالحق بالتجمع السلمي ليس محل إنكار، والتزام الحكومة وجهاز الأمن العام بحق الناس بالتظاهر والتجمع السلمي إبان "الربيع العربي"، أو بعد ذلك، لا يجوز النظر له على أنه "تسامح" مع الناس و"أمن ناعم"، بل حق تحميه وتصونه الدولة، وحين يفعّل الأمن العام ذلك فهو يحترم سيادة القانون، وهنا لا أقصد القانون الوطني فقط، بل على الحكومة وأجهزة إنفاذ القانون الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها، فهي تسمو على القانون الوطني ولا يجوز مخالفتها وعدم تطبيقها.
المطالبة بالحقوق لا يعد تجاوزاً على القانون، والأمن العام مسؤوليته حمايتها وصونها، ومن غير المقبول مقاربتها بالسكوت والتغاضي عن فساد أصحاب النفوذ، أو الذين يسرقون الكهرباء، أو يضعون أيديهم على أراضي الدولة، أو "فارضي الأتاوات" الذين عاثوا بالأرض فساداً. التواطؤ والسكوت مع هؤلاء ليس "أمناً ناعماً"، وإنما تعطيل للقانون وسيادته، وهذه جريمة وفساد.
الباشا الحمود يملك الخبرة والدراية ليحمي الحقوق، ويضع حداً "للبلطجية" والمتنمرين على القانون.