الثامن من آذار ومرحلة تجاوز البكائيات

بما أن الإنسان هو حجر الأساس في كل التجارب الحضارية، نجدنا نكثر من الحديث عن المرأة كونها عنصرا حيويا وجزءا أساسيا في تركيبة المجتمع، واستبعادها من الخطط التنموية لا يخدم المشروع النهضوي، بل يعيق تحقيقه ويعرقل إتمامه ويحبط إنجاز مهامه، ونحن في هذه المرحلة نحتاج إلى كل الطاقات البشرية والكوادر الوطنية من أجل دعم المسيرة الوطنية، وتأصيل الدور النسوي في القضايا الوطنية، وتجذير الفكر المتقبل والمؤمن بالمرأة كشريك حياة وبالمرأة الإنسانة والمرأة الزوجة والأم والمرأة العاملة والكادحة والمرأة المناضلة والمرأة المثقفة، جبران خليل جبران يقول: "وجه أمي هو وجه أمتي".

أحب دائما أن أبدأ من أرضية العدالة الإنسانية للمرأة والمسنين والطفل والأقليات العرقية والدينية، فلابد من تضمين البعد الاجتماعي لحركات المرأة ضمن المنظومة المجتمعية دون سلخها عن السياق الطبيعي لواقع مجتمعي يعاني بعض عناصره من الاضطهاد والظلم، وهذه الأرضية المشتركة لهذه الحركات لها دلالات وتداعيات مهمة جدا من حيث أن الخصم هو الظلم وليس الرجل، بعيدا عن ثنائية المرأة الضحية والرجل الجلّاد.

دعونا نتفق إذا على ضرورة إعادة صياغة الخطاب النسوي وضرورة تغييره بما يتلاءم والمرحلة الراهنة، فكما نسمع بضرورة إعادة صياغة الخطاب الحزبي أو الخطاب الديني أو الخطاب الحكومي، من خطاب بكائي مستضعف يستجدي إلى خطاب تعبوي توعوي يستنهض الهمم ويحاور العقل، فقد آن الأوان لتمزيق عباءة مرثية الخنساء في أخيها صخر، وتفكيك أبجدية النواح والنحيب؛ لنتحرر من قافية الحزن والعتاب.

ولمَ لا والمرأة على مر العصور أثبتت قدرتها على الشراكة؟ الشراكة الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية... خير مثال نستحضره أمهات المؤمنين على سبيل المثال خديجة بنت خويلد -رضي االله عنها- كانت شريكا اجتماعيا واقتصاديا للرسول -صلى االله عليه وسلم-، والسيدة عائشة -رضي االله عنها- كانت شريكا اجتماعيا وسياسيا نقلت عن الرسول -صلى االله عليه وسلم- الحديث والسنن، لنا في التاريخ كليوباترا وبلقيس وشجرة الدر... ومن الحاضر خير نموذج نستشهد به جلالة الملكة رانيا فهي شريك اجتماعي وسياسي واقتصادي قوي، وكذلك هيلاري كلينتون على سبيل المثال، المراد هنا هو أن المرأة أو بعض النساء على مر العصور تمكن من تمزيق الشرنقة والثورة على ثلاثية نجيب محفوظ وأعراف سي السيد، وتبوء مركز الصدارة وأثبتت قدرتها على التأثير في التاريخ.

وهذا أمر طبيعي كون المرأة كالعنصر الكيميائي النشط قادرة على نسج علاقات مع المحيط، هذه العلاقات أقوى تأثيرا وأعمق أثرا من تلك العلاقات التي يبنيها الرجل، فالمرأة بطبيعة التكوين هي الابنة والأخت وهي الأم والزوجة، وبالتالي تأثيرها متفرع ومتعدد وممتد ومتشعب أفقيا وعموديا، وبالتالي من المنطقي والبديهي بل والضروري والحتمي أن تكون طرفا مهما في المعادلة وشريكا أساسيا مؤثرا على كافة الأصعدة والمستويات الاجتماعية والأخلاقية والفكرية والسياسية والاقتصادية والوطنية، فهي من تشكل الوعي الجمعي لهذا المجتمع، إذا من المفترض أن تكون الصوت الأقوى والأداة الأقدر على توصيل رسالتها إلى عمق البنية الفكرية الثقافية لهذا المجتمع.

هذا يسوقني إلى الحلقة الأخيرة من السلسلة ألا وهي امتلاك الأدوات والمفاتيح التي تؤهل المرأة لهذه الشراكة، على المرأة أن تدرك أن المنافسة اليوم تحتاج إلى امتلاك قدرات وأن النجاح بحاجة إلى تطوير مهارات، على المرأة ولوج الميدان والمنافسة بشرف كمواطن يحاول جاهدا خلق فرصة لنفسه من خلال مفاتيح الإمكانات المتاحة لديه، وهذا يتأتى من خلال العمل الجاد والمضني، وإعمال الفكر وتطوير الذات، واكتساب الخبرات وتنمية المهارات.

هل هناك معيقات؟ نعم بالطبع معيقات متعددة.

هل مازلنا نعوّل على التوجيهات الملكية السامية الداعمة للمرأة وكينونتها وحقوقها وإنسانيتها؟ نعم بكل تأكيد.

هل ما زلنا نصطدم بالقانون المدني تحديدا ونحتاج إلى خطوات جريئة فيه كدعم لوجستي للمرأة عموما؟ نعم بكل صراحة.

إذا نحن مازلنا بحاجة إلى القانون بسلطته وسطوته، والدولة الأردنية بأجهزتها وتوجهاتها لتساعدنا في تغيير ثقافة تجذرت منذ مئات السنين، فالقانون قادر على خلق الثقافة التي يريد، ولكن العنصر الأهم هو المرأة وسعيها لإحداث هذا الخلق التي تريد، لأننا عندما ننشد التغيير علينا البحث عن الإنسان القادر على إحداث هذا التغيير.