الربيع العربي ومساءلة المثقف
اخبار البلد -
ليست المجتمعات العربية قبل الثورات العربية هي ما بعدها. هناك تغير حصل. لعل أبرز تجليات هذا التغير هو الاهتزاز والخلخلة التي مست تركيبة الخضوع لدى عموم المجتمعات من ناحية، وزعزعت، إن لم نقل، أسقطت واجتثت أنظمة وسلطويات معمرة في كيانات المعمورة من ناحية ثانية.
قد يعترض علينا بعضهم، بالقول، ها نحن، وبعد سبع سنوات من الربيع حيث أضحى خريفاً، فلا تبدل أو جديد يلمس، فما نراه ليس سوى زوبعةٍ ليس إلا، واستبدال أنظمة سلطوية بأخرى ربما أكثر سلطوية من الأولى، كما هو الحال في مصر، أي تغيير هذا؟ هذا اللاتغيير نفسه. لأن الأمر لا يتعلق بتبدل في الأنظمة، أو استبدالها بأخرى، بقدر ما يتعلق بتبدل ذهنيات.
يمكن الرد على هذا القول بأننا لا يمكن أن نماري أو نجازف حتى بالقول إن مجتمعاتنا قطعت، بشكل مطلق، مع سلطويات المجال العربي، إلى درجة يمكن فيها الادعاء بدمقرطة الفعل السياسي العربي الحالي، وعياً منّا بما قد يودي به هذا الزعم من انزلاقٍ في تأويلاتٍ تفاؤلية مفرطة، لا تمت للواقع بصلة. صحيح أننا لم ننفصل بتاتاً بشكل كلي وبنيوي عن الما سبق، لكن لا يمنعنا ذلك، أيضاً، من إنكار ونفي ما أتت عليه وبه هذه الديناميات من اهتزازات غير مسبوقة، فيما يخص علاقة الدولة بالمجتمع، بل موقع المثقف ومكانته في هذه العلاقة.
بعيداً عن أيّة نظرة ضيقة للثورة، كمفهوم وكواقعة يتم إلصاقها بالتجارب التاريخية الغربية وغير الغربية أو اختزالها في الحركات الدعوية (المنظمات السياسية ذات الإيديولوجيا الإسلاموية) عندما يتعلق الأمر بالعالم العربي، كما الحال بالنسبة للمستشرقين المعاصرين وغيرهم من مثقفينا، الذين ينظرون إلى الإنسان العربي باعتباره كائنا ساكنا وراكضا أو دعويا متطرفا في حالة ديناميته. بعيداً عن ذلك، يمكن القول إنّ هناك تغيراً، لعبت فيه الديناميات الاجتماعية دوراً كبيراً، لا يمكن تجاهله. وللتدليل على ذلك، يسعنا أن نتأمل اليوم، على سبيل المثال، في التجربة التونسية كتجربة نموذجية، من حيث أنها تمثل منبع الحراك الشعبي، لكي نجد فيها ما من شأنه أن يستشرف تجليات تطلعات الشباب التونسي بالنسبة لتونس، والشباب العربي بالنسبة لشباب المغارب والمشارق من كياننا العربي. ويكفينا كذلك أن نستحضر ما أصبحت تعرفه الأقطار العربية من كثافة في الاحتجاجاتـ، إلى درجة تحول فيها الفعل الاحتجاجي إلى ثقافة. وغيرها من التجليات التي تعكس وعي الإنسان العربي بذاته؛ وعي الشعوب العربية بأنها مركز لكل سياسة وأصل لكل سيادة.
أمام صعوبة هذا الوضع، وخصوصية المرحلة التي تحياها مجتمعاتنا، لا يملك المثقف إلا التفاعل مع الحراك، سلباً أو إيجاباً، إما بالصمت، واضعاً مسافة العالم بينه وبين الوقائع الحية أو باتخاذ موقفٍ منها، مؤيداً أو معارضاً أو محايداً. لعل هذه الدينامية تدعونا إلى إعادة النظر في مهمة المثقف العربي اليوم، وفي الحياد الممكن إقامته في ظل الأنظمة الحالية. أي دور للمثقف العربي في الربيع العربي؟ هل مهمة المثقف تقف عند الفحص والتشخيص والفهم، أم أنها تتجاوز ذلك، باعتباره فاعلاً اجتماعياً، إلى المساهمة في التغيير؟ فما موقع المثقف في علاقة الدولة بالمجتمع، والمنظومة بالفاعلين؟ هل للمثقف أن يكون مع أو ضد؟ أم أن موقعه الطبيعي والمعهود هو الاستكانة إلى الوساطة باسم الحياد المفقود؟ إذا ما استدعينا الديباجة السالفة، في بداية النص، سنقول إن "المثقف ملتزمٌ بالضرورة ضمن الصراع من أجل التعرف على العلاقات الاجتماعية، ومن أجل التعبير عنها ضد هيمنة النظام، وخصوصا عندما يكون الأخير استبدادياً. إذ ليس موضوع دراستنا ماثلاً أبداً أمام أعيننا. بل هو مخفي عنا باستمرار، ومقصي من النظام ونقيضه العنف.. علينا أن نناضل من أجل تحرير الفاعلين الاجتماعيين".
قد يعترض علينا بعضهم، بالقول، ها نحن، وبعد سبع سنوات من الربيع حيث أضحى خريفاً، فلا تبدل أو جديد يلمس، فما نراه ليس سوى زوبعةٍ ليس إلا، واستبدال أنظمة سلطوية بأخرى ربما أكثر سلطوية من الأولى، كما هو الحال في مصر، أي تغيير هذا؟ هذا اللاتغيير نفسه. لأن الأمر لا يتعلق بتبدل في الأنظمة، أو استبدالها بأخرى، بقدر ما يتعلق بتبدل ذهنيات.
يمكن الرد على هذا القول بأننا لا يمكن أن نماري أو نجازف حتى بالقول إن مجتمعاتنا قطعت، بشكل مطلق، مع سلطويات المجال العربي، إلى درجة يمكن فيها الادعاء بدمقرطة الفعل السياسي العربي الحالي، وعياً منّا بما قد يودي به هذا الزعم من انزلاقٍ في تأويلاتٍ تفاؤلية مفرطة، لا تمت للواقع بصلة. صحيح أننا لم ننفصل بتاتاً بشكل كلي وبنيوي عن الما سبق، لكن لا يمنعنا ذلك، أيضاً، من إنكار ونفي ما أتت عليه وبه هذه الديناميات من اهتزازات غير مسبوقة، فيما يخص علاقة الدولة بالمجتمع، بل موقع المثقف ومكانته في هذه العلاقة.
بعيداً عن أيّة نظرة ضيقة للثورة، كمفهوم وكواقعة يتم إلصاقها بالتجارب التاريخية الغربية وغير الغربية أو اختزالها في الحركات الدعوية (المنظمات السياسية ذات الإيديولوجيا الإسلاموية) عندما يتعلق الأمر بالعالم العربي، كما الحال بالنسبة للمستشرقين المعاصرين وغيرهم من مثقفينا، الذين ينظرون إلى الإنسان العربي باعتباره كائنا ساكنا وراكضا أو دعويا متطرفا في حالة ديناميته. بعيداً عن ذلك، يمكن القول إنّ هناك تغيراً، لعبت فيه الديناميات الاجتماعية دوراً كبيراً، لا يمكن تجاهله. وللتدليل على ذلك، يسعنا أن نتأمل اليوم، على سبيل المثال، في التجربة التونسية كتجربة نموذجية، من حيث أنها تمثل منبع الحراك الشعبي، لكي نجد فيها ما من شأنه أن يستشرف تجليات تطلعات الشباب التونسي بالنسبة لتونس، والشباب العربي بالنسبة لشباب المغارب والمشارق من كياننا العربي. ويكفينا كذلك أن نستحضر ما أصبحت تعرفه الأقطار العربية من كثافة في الاحتجاجاتـ، إلى درجة تحول فيها الفعل الاحتجاجي إلى ثقافة. وغيرها من التجليات التي تعكس وعي الإنسان العربي بذاته؛ وعي الشعوب العربية بأنها مركز لكل سياسة وأصل لكل سيادة.
أمام صعوبة هذا الوضع، وخصوصية المرحلة التي تحياها مجتمعاتنا، لا يملك المثقف إلا التفاعل مع الحراك، سلباً أو إيجاباً، إما بالصمت، واضعاً مسافة العالم بينه وبين الوقائع الحية أو باتخاذ موقفٍ منها، مؤيداً أو معارضاً أو محايداً. لعل هذه الدينامية تدعونا إلى إعادة النظر في مهمة المثقف العربي اليوم، وفي الحياد الممكن إقامته في ظل الأنظمة الحالية. أي دور للمثقف العربي في الربيع العربي؟ هل مهمة المثقف تقف عند الفحص والتشخيص والفهم، أم أنها تتجاوز ذلك، باعتباره فاعلاً اجتماعياً، إلى المساهمة في التغيير؟ فما موقع المثقف في علاقة الدولة بالمجتمع، والمنظومة بالفاعلين؟ هل للمثقف أن يكون مع أو ضد؟ أم أن موقعه الطبيعي والمعهود هو الاستكانة إلى الوساطة باسم الحياد المفقود؟ إذا ما استدعينا الديباجة السالفة، في بداية النص، سنقول إن "المثقف ملتزمٌ بالضرورة ضمن الصراع من أجل التعرف على العلاقات الاجتماعية، ومن أجل التعبير عنها ضد هيمنة النظام، وخصوصا عندما يكون الأخير استبدادياً. إذ ليس موضوع دراستنا ماثلاً أبداً أمام أعيننا. بل هو مخفي عنا باستمرار، ومقصي من النظام ونقيضه العنف.. علينا أن نناضل من أجل تحرير الفاعلين الاجتماعيين".