منصور مراد: الأردن يتجه مسرعاً نحو الانتحار السياسي

اخبار البلد_ حذّر النائب السابق منصور مراد من أن "الأردن يتّجه مسرعاً نحو الانتحار السياسي بسبب سياسة التبعية الاقتصادية التي عملت على تفكيك الدولة الأردنية وتدمير الطبقة الوسطى، حيث أصبحت الدولة معدومة السيادة على قراراتها السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية".

وقال منصور في رسالة وجّهها إلى جلالة الملك عبدالله الثاني بأن "موسسة العرش ليست بمأمن من غوائل الغد القريب، بسبب سياسات المفسدين وجهاز المخابرات التي تسعى لتمرير مصالح فئات طبقية حاكمة لا همّ لها سوى الفساد والإفساد".

واعتبر بأن المخرج من الأزمة يتمثّل في حكومة إنقاذ وطني، تسن قانوناً مؤقتاً مقبولاً شعبياً للانتخاب، ينتج عنه برلمان من رحم الشعب، قادر على الدفاع عن مصالحه الوطنية ويتولى انتخاب الحكومة ورئيسها لتستطيع تنفيذ مطالب الشعب في إنشاء دولة مؤسسات.

وفيما يلي نص الرسالة:

رسالة مرفوعة إلى حضرة صاحب الجلالة

سيدي،

إن ما يحدث في الأردن لأمرٌ جلل. وإن ما نكاد نفقد بوصلةَ طريق الإصلاح بسببه لمؤامرةٌ خطيرة. فعندما يُصوَّر الوضع على غير حقيقته، وعندما يُوَسَّد الأمر إلى غير أهله، وعندما يتم التعامل مع المرض العضال بسياسة التسكين التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ومع سرطان الفساد المستشري باتباع منهج الترحيل الذي لا تبدو لأنفاقه المظلمة من مخارج، فإننا نكون بصدد ذَرٍّ للرماد في العيون، وتطاولٍ على إرادة الشعب، وتجاوزٍ لكل حقوقه، وحمايةٍ للفساد والمفسدين من أن تطالَهم وتحاصرَهم وتحاسبَهم مؤسسات العدالة.

إن الأردن كغيره من الدول العربية يرزح تحت نير علاقات التبعية والارتهان لمراكز رأس المال العالمي عبر مؤسساته الاقتصادية المعروفة، منعا لإحداث أي تنمية حقيقية. ومن ثمَّ فالحكومات التي تقود هذه الدول على قواعد التبعية والارتهان تلك، غير مؤهلة لإخراج شعوبها أو لإنقاذ مجتمعاتها من حالة التخلف والفقر التي تعيشها. وبسبب كون المرحلة التي تعيشها الشعوب العربية ومنها شعبنا الأردني، هي استمرار طبيعي لمرحلة التحرر الوطني الذي ما يزال ناقصا رغم الاستقلال السياسي، مادامت الدولة تخضع لعلاقات التبعية والارتهان التي تمررها الطبقات البرجوازية والبيروقراطية المتحالفة لتكريس الحكم التبعي، فقد اتخذت الشعوب قراراتها وانطلقت تبحث عن ذاتها في حراكها الذي شهدناه والذي ما زلنا نشهده يعم ربوع الوطن العربي من شماله إلى جنوبه ومن محيطه إلى خليجه.

إننا في الأردن بإزاء دولة وظيفية ساهمت في حجرِ أيِّ إمكانية لبناء اقتصاد وطني منتج، ومن هنا فقد انتهجت كل الحكومات التي تولت إدارة هذا البلد منذ عقود طويلة أسلوبَ الكذب، عبر مقولات أن الأردن فقير بالموارد والثروات، بهدف إخضاع شعبنا للشروط الخارجية، بغية الحيلولة بينه وبين بناء دولة حديثة يسندها اقتصاد وطني مستقل، لإبقائه معتمدا على المساعدات الخارجية، ولبناء اقتصاد قائم على تطبيق وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، فضلا عن منظمة التجارة العالمية.

ولهذه الأسباب مجتمعة فالأردن يتجه مسرعا نحو الانتحار السياسي بسبب أنه حكم على نفسه بالانتحار الاقتصادي جراء تلك السياسات التي لا هم لها سوى ربطه بعجلة رأس المال العالمي، عبر انتهاج كل ما من شأنه تفكيك الدولة الأردنية وتحويلها إلى مؤسسة جابية للضرائب وحريصة على تدمير الطبقة الوسطى، ما جعلنا نتحول بالتدريج إلى دولة معدومة السيادة على قراراتها السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية. ولقد أدى هذا النهج السياسي العابث بمكونات الدولة الأردنية إلى فتح الطريق أمام المخططات الأميركية الصهيونية الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية وتحويل الأردن إلى معبر ومجال حيوي وآمن للعدو.

ولأن الشعب الأردني قاوم كل تلك المخططات واعترض على تلك السياسات، فقد لجأت الحكومات التي تمثل التحالف الطبقي البرجوازي والبيروقراطي الحاكم إلى مواجهته بالعنف، وبتشويه إرادته والقفز عليها عبر تزوير كل الانتخابات البلدية والنيابية، فضلا عن إفقاره وتجويعه بكل ما يمكنها اللجوء إليه من سياسات ضريبية ظالمة، وحزم استثمارية رعناء لا تخدم الاقتصاد الوطني، ولا تحقق أي تنمية حقيقية في البلاد. فأطلقت يد مافيات الفساد تعبث بالبلاد ومقدراتها، وانتشرت سرقة المال العام، وازدهرت سياسة غسيل الأموال، واستفحلت أسواق المضاربات التي يقوم عليها سماسرة لا يعرفون سوى ملء الجيوب على حساب حقوق المواطنين. لا بل تم توقيع الاتفاقيات المدمرة بهدف اقتلاع الأردن من محيطه العربي ورميه في الفضاء الصهيوني، بدءا ببيع مؤسساتنا المنتجة التي كانت تشكل صمام الأمان للاقتصاد الوطني.

إن الشعب الأردني ليس أقلَّ مكانة من الشعوب العربية التي انتزعت حريتَها، وإن التحالف الطبقي المتحكم في مصائر الأردن والأردنيين مدعوما بجهاز مخابراتٍ ، ليس أقل فسادا وإفسادا من تلك التحالفات الطبقية التي أَفَلَت بفعل الحراك الثوري للشعوب العربية التي ليست عنا ببعيدة. كما أن حقوق الأردنيين هي شأنها شأن حقوق كل الشعوب العربية التي تحركت وكافحت وثارت وضحَّت، ليست محلَّ مساومة أو مقايضة. فلماذا لا يتعظ المتعظون؟ وعلى أيِّ أساسٍ من الثقة واليقين لا يحذر المفسدون من قارعة شعبية تصيبهم هنا كما أصابت نظراءهم هناك؟

إن ادعاء الإصلاح المخادع القائم على الالتفاف على مطالب الشعب لتجاوزها بدل تحقيقها وتلبيتها، هو ديدنُ كل الحكومات التي فسدت فأفسدت منذ هبَّة نسيان المجيدة عام 1989 عندما تم التحايل على مطالب تلك الهبة، وحتى الآن. لأن الإصلاح في الأردن بسبب استشراء الفساد وتحوُّلِه إلى ثقافةٍ نخرت كل مرافق الدولة، لا يمكنه أن يتحقَّقَ بتوكيل مفسدٍ مطلوب الرأس بمحاربة الفساد، ولا بتقديم كبش فداء هنا وقربان لذر الرماد في العيون هناك. فعندما يصبح الفساد من النوع الذي رزح الشعب الأردني تحت نيره عقودا من الزمن ولا يزال، تغدو مجابهتُه حربا كبرى تبدأ معركتَها الأولى من أهم لبنةٍ تمنحه الشرعية وتقنِّن مداخلَه ومخارجَه، الا وهي اللبنة الدستورية التي اختبأ ويختبئ وراءها كل المفسدين في هذا البلد المكلوم.

فالمفسدون يلجأون دائما إلى دسترة فسادهم ليتمكنوا من قوننته بعد ذلك عبر إصدار التشريعات التي تؤطِّرُه، وعندما يفعلون ذلك تبدأ مؤسسات الدولة بالتحول تدريجيا إلى مؤسسات تفرِّخ الفسادَ والمفسدين. ولهذا السبب يحاول المفسدون على الدوام تقديم عروضهم الإصلاحية على شكل تغييرات يحاولون إحداثها على مستوى المؤسسات والأفراد، في حين أن عروض الإصلاح الحقيقية يجب أن تتِمَّ على مستوى الدستور ومن ثم على مستوى التشريعات، لأنها بمثابة البنية التحتية للفساد ككل. إن كل دعوات الإصلاح ومحاربة الفساد التي تعرضها الحكومات هي دعوات آيلة إلى فشل بسبب ارتكازها إلى نهج يتسم بما يلي..

1 – إنه نهج غير مؤسَّسٍ بشكل سليم، فهو يبدأ من ذيل الفساد بدل البدء من رأسه، فالأفعى تعيش إذا ما قطع ذيلُها وتملك القدرة على تجديده، ولا مفر من قطع رأس الأفعى لمن أراد أن يستريح من شرها. وقطع رأس أفعى الفساد يعني أن يتم البدء من إحداث تعديلات دستورية عميقة الدلالة، لا تقف عند المساس بالقشور فقط، بل تعيد إنتاج الحياة الدستورية في الأردن على قواعد الفصل الكامل بين السلطات، والتداول الحقيقي للسلطة، والانتخاب الكامل والمعبِّر لكل من رئيس الوزراء والسلطة التشريعية من قبل الشعب، وسن قوانين أحزاب وانتخاب عصرية وتقدمية ومعبرة عن المشاركة والعدالة والمساواة على قاعدة المواطنة الكاملة والحقيقية.

2 – إنه نهج غير جاد يرتكز إلى تكليف المفسدين بالإشراف على عملية الإصلاح ومحاربة الفساد، وهذا مخالف لأبسط بدهيات المنطق الذي لا يمكنه إسناد مهمة ما إلى من هو في ذاته أحد المطلوبين فيها، بل إلى حكومة إنقاذ وطني يرضى عنها الشعب ويثق في أدائها.

3 – إنه نهج التفافي يتحايل على مطلب التعديلات الدستورية الجذرية، بتعيين لجان تتولى هذه المهمة، معظم أفرادها من المتضررين من أي إصلاحات دستورية حقيقية، ومن المنتفعين من الوضع الدستوري الراهن. في حين أن الحد الأدنى من الجدية والوضوح في هذا المقام يقتضي اللجوء إلى الشعب لينتخبَ بنفسه الهيئات التي تتولى بنفسها إجراء التعديلات الدستورية التي يطمح إليها.

سيدي صاحب الجلالة،

لا يمكنني في هذا المقام سوى التأكيد على أن مؤسسة العرش يجب أن تتخندق دائما حيث يتخندق الشعب الأردني. ولا يمكن للشعب الأردني أن يفهمَ كيف أن لهذه المؤسسة السامية التي يأنس إلى حيادِها ورمزيتِها، أن تضعَ رجلا في خندق الشعب، بأن تعلن رغبتها في الإصلاح، ورجلا في خندق المفسدين، بأن تكلِّفَهم بمتابعة الإصلاحات والإشراف على محاربة الفساد؟ ولا يمكن للشعب الأردني أن يفهمَ كيف أن لهذه المؤسسة التي ينظر إليها باحترام، أن تلجأ إلى "تعيين لجان" مرةًّ للحوار وأخرى لتعديل الدستور، دونما رجوع للشعب ومؤسساته وقواه الحية والفاعلة، بينما هي تعلن أن هذا الحوار وذلك التعديل إنما هما استجابة لمطالبه؟

يا صاحب الجلالة، إن أيَ توصيف لما يحدث في الشارع الأردني من حراك، ولما ينطوي عليه هذا الحراك من مطالب، لا يمكن الحصول عليه من تقارير دائرة تغولت على الشأن العام وأصبحت بمثابة المؤسسة الأم الراعية للفساد والمفسدين في هذا البلد، والتي غدت بصفتها هذه، واحدة من أهم المؤسسات التي يطلب الشعب تحييدَها وكفَّ يدِها عن التدخل في شؤونه. ولا من تقارير الحكومات الفاسدة التي يطالب الشعب برؤوس مفسديها. بل إن مؤسسة العرش معنيةٌ بفهم الشعب وتَفَهُّم مطالبة بالنزول إلى الشعب نفسه، والتماس المباشر مع معاناته والإحساس عن قرب بمطالبه، ليكون هذا التماس وهذا الإحساس هما منبع التوصيف الحقيقي لما يحدث في الأردن، والمرجعية الصادقة في وضع المناهج الإصلاحية السليمة.

وإنه إذا لم يحدث ذلك، فالأردن يسير في الطريق الخطأ، وقاطرةُ الإصلاح تكون بالفعل قد انحرفت عن سكتها، وهو ما لا نرضاه لشعبنا ولوطننا بأي حال. فالتغيير حتمي وقادم لا محالة، لأنه منسجم كل الانسجام مع حركة التاريخ، ولا يمكن لأي قوة أن تقف في وجهه مهما حاولت، من هنا تأتي ضرورة التجاوب مع هذه الحتمية، اختصارا للمراحل وتوفيرا للجهود وحقنا للدماء. وعلى مؤسسة العرش أن تعي جيدا أن الشعب الأردني ومن واقع مرارة تجربته الطويلة في التعاطي مع صناع الفساد في هذا البلد على مدى أكثر من عقدين من الزمان، لم يعد يقبل بمهزلة تدوير السلطة والمناصب القيادية في الدولة، عبر تواجد أي كان من أولئك الذين تولوا رئاسة الحكومات، أو الوزارات أو مديري المؤسسات والهيئات وكل من شارك في إدارة شؤون الدولة في تلك الفترة وحتى الآن، مع التأكيد على أن الشعب الأردني لا يقبل بأقل من مساءلتهم جميعا عن الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من كوارث اقتصادية وسياسية واجتماعية، مع محاكمة كل من تثبت إدانته بأي قضية فساد مالي أو إداري أو كان يعلم وأخفى الحقائق عن الشعب.

وإن الشعب الأردني وانطلاقا من كل ما سبق لم يعد يرى الحل سوى في حكومة إنقاذ وطني تسن قانونا مؤقتا مقبولا شعبيا للانتخاب، ينتج عنه برلمان من رحم الشعب، قادر على الدفاع عن مصالحه الوطنية ويتولى انتخاب رئيس حكومة وحكومة تستطيع تنفيذ مطالب الشعب في إنشاء دولة مؤسسات، أي دولة منتجة ومجتمع منتج.

مؤسسة العرش ليست في مأمن من غوائل الغد القريب، لا بسبب أن الحراك الشعبي يُهدِّدها، فهناك إجماع شعبي على أنها فوق المساس بها. بل هي ليست في مأمن لأن هؤلاء المفسدين ومن ورائهم تغول جهاز المخابرات هم من يقودها إلى الهاوية بفصلها عن شعبها، وباستخدامها لتمرير مصالح فئات طبقية حاكمة لا هم لها سوى الفساد والإفساد وعبر ممارسات أخطرها التجييش والتحشيد ضد المطالبين بالاصلاح والهروب من مواجهة الازمات مما يخلق مناخات تخدم المخططات الصهيونيه لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن الدولة والشعب .

النائب السابق

منصور سيف الدين مراد