التيار الإسلامي بعد 15 تموز

ما حدث في ساحة النخيل وسط العاصمة الجمعة الماضي لن يمر من دون أن يترك آثاراً مؤلمة في عدة مجالات، تشمل العلاقات بين الشباب وشيوخ السياسة في التيارين الإسلامي والوطني متعددَّي الانتماءات والتوجهات، وبين الإعلام والجهات الأمنية، وبين مطالب ومناهض بتصعيد تكتيكي للمعارضة كي لا تفقد ساحتها.
المشكلة الأساسية ليست في ما حدث تحديداً، فهو متوقع منذ أن بدأ التحليل الواقعي يناقش طبيعة الدعوة لاعتصام أو تظاهر مفتوح في عمان، بينما كانت الحكومة تتأهب لمنع مثل هذه الاعتصامات لأسباب تتعلق بالطبيعة الذهنية التي يفكر بها المسؤولون المعنيون باتخاذ قرار المنع، رغم أنه بالنسبة للتيارات السياسية المعارضة ليس مبرراً على الإطلاق. إذا أين تكمن المشكلة؟
تكمن المشكلة في ظهور حالة جديدة ستبقى تسيطر على العلاقة بين الشباب المتظاهر تحت تأثير المطالب المشروعة بالإصلاح السياسي والاقتصادي ومكافحة الفساد، وبين شيوخ السياسة المتمرسين في التيار الإسلامي الذي أظهر قيادة غير صريحة لهذا الشباب الذي يحتاج إلى أن يكون مشاركاً أساسياً في التخطيط والتنظيم، وليس مجرد محرك لحدث تظاهري لو استمر "مفتوحاً" كما أريد له لتولى الصقور الظهور على منصته بالتناوب، لكنهم يعلمون بأن تكرار ما حدث على دوار الداخلية يوم 25 آذار (مارس) الماضي هو الأقرب، لذلك اكتفوا بدور المراقب عن بعد.
الشباب كان المتفاجئ الوحيد مما حدث في ساحة النخيل، فيما كان "مشايخ" جبهة العمل الإسلامي والإخوان المسلمين يعلمون بأن الوارد من كل الجهات إلى الساحة يولد عنفاً غير متوقع الحدود، سواء ممن هاجم المعتصمين بحجة أنهم أعداء الوطن، أو من جانب رجال الأمن الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة مع واقع الانفلات الأمني المفروض على الساحة بغض النظر عن العناصر التي قامت بفرضه.
والسؤال الذي يدور في ذهن الكثيرين: إلى أي مدى يبلغ التنسيق بين "شباب 24 آذار" المتظاهر تحت مظلة الاستقلال السياسي عن أي جبهة أو جماعة ما، وبين المشاركين الآخرين من التيار الإسلامي، الذي يُتهم بأنه المحرك الرئيس لهذه التظاهرات المطالبة بالإصلاح؟
يبدو من خلال الواقع المشاهد أن ثمة تفاهما موضعيا بين الجهتين على طريقة البداية والنهاية في تنظيم التظاهرات، لكن النية المبطنة عند التيار الإسلامي لا يمكن الجزم بها إذا ما لمسنا خلال الأشهر الثلاثة الماضية كيف أن كلاً من الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي حققتا مناورة ناجحة لإثبات اللعب على النار الهادئة من خلال تحريك الشارع نحو التظاهر بـ"الريموت كنترول" ومن دون تدخل مباشر، إلى حين الظهور في ساحة النخيل التي عقد جانبا التيار الإسلامي العزم فيها على إبراز دعم معلن للشباب المعتصم لكن دونما تصريح بأن التخطيط والتوجيه يأتي من داخل أجهزة الجبهة والإخوان.
ما يقوم فيه جناحا التيار الإسلامي الأردني ليس دليلاً على ضعف أو قوة، بل هو تكتيك للحؤول دون تكرار المشهد السلفي في الزرقاء، حيث تم فعلياً تفكيك تيارات فكرية متضاربة بين السلفيين بعد لجوئهم للعنف غير المبرر، وإضعاف بنية مصداقيتهم في الشارع، وهو ما يخشى منه التيار الإسلامي في هذه المرحلة الدقيقة في الأردن، لذلك يلجأ كل من مشايخ جبهة العمل والإخوان المسلمين إلى الزج بجماعات شبابية ناشئة للقيام ببرامج وخطط سياسية أولية من خلال الاعتصام والتظاهر بغرض الإصلاح ومكافحة الفساد اللذين ننادي بهما بكل دفقة دم في شريان وطنيتنا.
هذه الحقيقة قد لا تعد معضلة أمام الشباب الذي يرغب بالتظاهر والتصعيد إلى حين الاستجابة للمطالب التي تسعد كل أردني، لكن لماذا يلجأ التيار الإسلامي إلى هذه الالتفافات طالما لديه قاعدة مبنية على الصدق في المعاملات؟! "أفمن يمشي مكبّا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم".