الأردن ليس فقيراً
نسمع كثيراً عبارات تؤكد على فقر الأردن ومحدودية موارده, على ألسنة المسؤولين, في معرض الحوار والمناقشة حول أوضاع الأردن الاقتصادية, ويكثر تكرار هذه العبارات وأشكالها في الإعلام, وأصبح صغار المسؤولين يلجأون إلى هذه العبارة باعتبارها قاعدة معروفة ومعلومة تتوارثها الأجيال بلا نقاش ولا إنعام نظر.
فكرة تقعيد هذه العبارة وترسيخها (الأردن فقير) منهجية غير سليمة وغير صحيحة بكل تأكيد, وتلحق الضرر بالأردن والأردنيين, وما هي إلاّ وسيلة لتبرير العجز وتبرير ضعف التخطيط وتبرير وتغطية للفساد المستشري, الذي لم تستطع كل الحكومات المتعاقبة محاربته أو الحد منه, بل على العكس تماماً, نرى أنّ الفساد يزداد قوةً وأثراً مرحلةً بعد مرحلة, حتى استطاع الإتيان على مقدرات البلد والسطو على الخزينة العامة, وبيع أصول الدولة وممتلكات الشعب الأردني.
تقعيد فكرة (فقر الأردن وضحالة موارده) تبرر اعتماد الموازنة العامة على المنح, وبدلاً من البرمجة والتخطيط لتقليل الاعتماد على المنح, نجد أنّ الاعتماد على المنح يزيد سنةً بعد سنة, حيث أصبح العجز في الموازنة العامة لعام (2010م) رقماً قياسياً لم يصل له الأردن عبر تاريخه منذ أنشئ.
الاستسلام لمقولة (الأردن فقير ومحدود الموارد) يؤدي إلى الاستسلام لهذا الواقع, واستسلام الأجيال المتتابعة لهذا السقف الاقتصادي المتدني الذي يؤدي حتماً لسقف سياسي منخفض بكل تأكيد; لأنّ الاعتماد على المنح يخدش السيادة وحرية القرار السياسي, وكلما زاد الاعتماد على المنح الخارجية, وخاصة الأمريكية والغربية, ما هو إلاّ ارتهان سياسي للسياسة الأمريكية والغربية بالدرجة الأولى; لأنّه باختصار (الذي يمد يده لا يمد رجله), ومد اليد تحوي ذل السؤال وذهاب ماء الوجه, واعتراف بالدون ورضا بالعجز, ونقص الشعور بالحريّة والاستقلال.
والعتب كل العتب على وزارة التخطيط, التي اصبحت رمزاً للبحث عن المنح, وأصبحت تقاس قدرة الوزارة وحذاقة الوزير بقدرته على توفير هذه المنح وزيادتها, مع أنّ الأصل أنّ مهمة وزارة التخطيط الرئيسية أن تعمل وفقاً لبرنامج زمني محدد معروف ومنشور لدى كافة المواطنين عن (كيفية الاستغناء عن المنح الخارجية, بتقليل الرقم سنة بعد سنة), من خلال القدرة على الاستثمار في الإنسان الأردني والعقل الأردني, وتنمية الإنتاج القومي بالاعتماد على الذات.
هذا القول ليس شعراً, ولا ضرباً من ضروب الرومانسية, ولا تحليقا بالخيال, وليس من باب توزيع النصائح والإرشادات بشكلٍ فوقيّ, بل ينبغي أن نتفق جميعاً على أنّ الأردن يملك شعباً واعياً ومثقفاً, ونسبة الأميّة فيه معدومة, ونسبة المتعلمين عاليةٌ جداً, وعندنا متخصصون في كل شؤون العلم وأقسامه, وعندنا خريجون من كل جامعات العالم.
ولقد أنفق الشعب الأردني على تعليم أبنائه معظم ثرواته, والشعب الأردني عندما يعمد إلى بيع ممتلكاته من أجل تعليم أبنائه, ليس من أجل زيادة عدد العاطلين عن العمل, وليس من أجل تضخيم جيش البطالة المرعب, فالأصل أنّ هناك عقلا يخطط ونخبا توجّه, ومسؤولين كبارا يتحمّلون مسؤولية التوجيه والإعداد, ووزارة تخطيط تعمل على توظيف الدارسين والمتعلمين والمتخصصين في إيجاد تنمية أردنية مستدامة ومستمرة وفاعلة مثل: سنغافورا, وماليزيا, وكوريا التي تحدثنا في مراتٍ سابقةٍ كيف استطاعت هذه الدول التي استقلت بعد استقلال الأردن بـ(45عاماً) أن تحقق المعجزات, وبدلاً من أن تعتمد على المنح والقروض, أصبحت تحقق فائضاً سنوياً يقدر بعشرات المليارات.
إنّ سنغافورة أقل مساحة وأقل موارد طبيعية من الأردن, لا تحوي بترولا ولا بوتاسا ولا فوسفات ولا (بحر ميت), لكن عندها تخطيط عالي المستوى, ومخططون يتمتعون بحس انتماء وطني عالٍ, من أجل أن تكون سنغافورة الأولى على مستوى العالم, وذلك بقدرتها على محاربة الفاسدين والمرتشين, وإبعاد الكسالى العاجزين عن إدارة موارد الدولة, وعندها ديمقراطية حقيقية قادرة على المحاسبة والمراقبة بشكل فاعل ومنتج, ولا نجد للبلطجية أثر في صياغة مستقبلها السياسي والاقتصادي, وتمّ وضع حدٍ للعشوائية والارتجالية والمزاجية في إدارة المؤسسات ومتابعة الإنجاز.