الدولة الاردنية .. ارث تاريخي وامل متجدد

 

 

          لم تكن الدولة الاردنية في يوم من الايام ومنذ تأسيسها على هذه الارض الطيبة ، لم تكن دولة جهوية او فئوية او منحازة الى اي طرف او تيار ، ولم تكن تمثل نزعة اقليمية محسوبة على اي ركن من الاركان ، بل كانت على الدوام دولة مؤسسية دستورية ودولة القانون ، تتمتع بقيادة هاشمية صلبة قوية قادرة على احتواء كل المتناقضات وقادرة على احتواء كل الاطراف بغض النظر عن الجنس او الفكر او اللون او العقيدة ، كانت وما زالت الركن الاوحد في الرؤيا والحكمة وحسن التصرف ، لم تهزها العواصف ولا الحكايات الهزيلة التي تولد من رحم القطيعة ونكران الوطن  ، دولة يمتد ارثها التاريخي منذ قرون مضت على ارض مباركة ضحى الهاشميون على امتداد هذا الزمن بكل قوتهم على ان تبقى صامدة رغم الظروف القاسية التي مرت بها  ، فكانت الدولة الواعية الصادقة تنظرالى الافق البعيد فتقرأ وجه المستقبل من منابر الفكر والعقيدة والايمان فغدت دولة قوية بقيادتها وشعبها الواعي مؤمنة بقضائها ان تكون الوصية على مقدسات الامة  فقدمت كل ما بوسعها واكثر لكي تبقى هذه المقدسات مصونة من الدنس ، وكانت البوابة الشرقية للكرامة فأزدادت علوا" وشموخا" ففتحت قلبها وحضنها للعراق شعبا" ورموز حكم ، اطفال وشيوخ ونساء ومرضى فداوت جراحاتهم وتقاسمت معهم لقمة الخبز وتحملت مأساة الجوع والفقر .

          وكانت الدولة الواقعية الملهمة بالصبر والفضيلة ففتحت ابوابها لاخوتنا في الكويت ابان الغزو العراقي فتقاسمنا معهم الخبز والماء وتحملنا مشقة الضيافة فكانت خير مضياف لخير زائرون .

 

         وكانت الدولة العاقلة النابضة حبا ودفئا لاخوتنا الفلسطينيين فقدمت لهم كل خير وعون وما زالت تقف الى صفهم ومع قضيتهم ، وها نحن للآن نتقاسم معهم الدم والدواء ، فلم تئن ولم تتذمر ولم تصمت ، فكانت صوت الحق المدوي الذي يرتفع كالآذان في سماء الاوطان تنادي بالحق والحرية والديمقراطية .

 

         وكانت الدولة المعطاء التي لم تنأى يوما" عن مد يد العون للاشقاء في الاوطان العربية ، وها هي الدولة النموذج التي اصبحت في مقدمة الدولة التي تقدم قوات حفظ السلام في ارجاء المعمورة نظرا" لكفاءة الجندي الاردني وقدرته على العطاء ومساعدة الاخرين بكل شهامة وعزة نفس حتى غدا اسمها بريقا" مشعا" يتلآلآ صداه في كل الاماكن .

 

         هذه الدولة لم تبيع نفطا ولا ذهبا ، ورغم اندثار كل موجبات الغنى ووجود اسباب الفقر بقيت هذه الدولة غنية بكرامتها وعزتها وشموخها ،  هذه الدولة ان تحدثت فحديثها حق ، وان صمتت فصمتها ادب  ، وان تنادت الى فعل فنداؤها جرأة وصواب ، هذه الدولة لم تتهاوى الى مهاوي الخنوع والاذلال بل كانت راسخة في ذاكرة العمر تترك في كل موقع اطروحة امل وحكايات تنير الدروب امام النفوس التي تريد ان تعيش ، وكلما مر العمر ومشى الدهر تزداد رسخوا" وعمقا" في ارث التاريخ تسير بخطى واثقة نحو بر الامان تشق في الصعاب كل قهر .

 

         علينا في هذا الوطن ان يكون عشقنا لهذا التراب وان لا نشكو من وجع لا يؤلم ، فالتهور والتزاحم يجعلنا ننكسر بمحض ارادتنا في زمن النهوض .

 

         ان الذين يسطرون كلماتهم هنا وهناك فيخلطون المعاني ويدسون السم بالدسم  انما يتجرعون هموم مآسيهم ، فالرغبة مجرد الكتابة شيىء ، والكتابة شيىء اخر ولكن هل من الممكن ان يجتمعا في خاصية واحدة تأخذ منحى الدلالة الواضحة في الكتابة على الاسطر لا بينها ، لان وجع الابتداء اشد من وجع الانتهاء والاشد من ذلك وجع البوح بين ولادة الكلام واندثار الوضوح في المعاني .

 

         اذن .. لنعترف في داخلنا في زوايا ضمائرنا في بعيد الغور من انفسنا في البقية الباقية من وجودنا ، لنعترف بهذا كلة وبما هو ابعد منه ايغالا" في موجبات الصحو بان هذا  الوطن الذي احتضن شهدائنا وكان ملاذ اجدادنا وبيت آبائنا حق علينا ان نكون اوفياء له صادقين ، فنحن قوم نرفض ان نقيم حياتنا على الاحلام والافكار فهناك ثمة واقع يحتم علينا الخوض بمعترك هذه الحياة .