تعلموا من جدي يا اردنيين...
شعور لا يوصف عندما نسمع التونسي لطفي بشناق وهو يصدح "خذوا المكاسب والمناصب بس خلو لي الوطن يا وطن انت حبيبي انت عزي وتاج راسي" هنا تختلط مشاعرنا بالحب والحنين والزهد ، والكثير منا يذرف الدموع وينتابه احساس ان الوطن اغلى من المال والبنين وان العيش على ارضه بأمن وسلام افضل من المكاسب المادية والمعنوية ، هذا الفنان استطاع ان يتسلل الى اعماقنا بكلمات قد لا يؤمن بها هو الى حد بعيد .
لكن تجربتنا الاردنية الحقيقية ، اعظم واجمل وانبل ،وجاء الوقت المناسب الذي يجعلنا ننفض عنها غبار السنين ، فجدي عليه رحمة الله والذي توفي قبل سبع سنوات عن عمر تسعين ونيف ، امن ان الوطن اسمى واغلى من متاع الدنيا وزخرفها ، فقدم ابنائه شهداء من اجل تراب الاردن الطهور فاستشهد ابنه الاول "مفضي" سنة 1970م وهو في صفوف الجيش العربي مدافعا عن كرامتنا ، لكن جدي الرجل الامي لم يتوقف عطائه ،وظل يقدم دون ان ينتظر جزاء من احد فعندما "تناخت" الاردنيات عام 1973م اين النشامى اين حماة الدار، فكان ابنه الثاني في اجازة عرسه اي عريس جديد ، فقرر جدي ان يلتحق العريس سريعا في صفوف القوات المسلحة الاردنية ، رغم معارضة بعض الناس في القرية منطلقين بانه عريس جديد واخيه استشهد قبل ثلاثة سنوات ، فكان جدي يقول من يدافع عن "البلاد اذا تخبينا ما يحمي البلاد الا عيالها " فاستأجر بكب على عجل لنقل فلذة كبده للوحدة العسكرية التي يخدم بها في ناعور من مكاور قريتنا شمال غرب ذيبان ، فنال العريس شرف الشهادة بعد خمسة ايام نعم مات لتنام عيون الاردنيات واطفالنا بأمن وسلام .
جدي المكلوم كان له فلسفته ومدرسته الخاصة كان يؤمن ان الانسان يجب ان يقدم اكثر مما يأخذ، فلم يقبل اي فلس او دينار او بيت من الدولة او تكريما من احد ، فكان يردد مفضي وفضيل استشهدوا حتى "يدافعوا عن شرفنا عن بلادنا واحنا ما نأخذ عوض عن دمهم" فعاش بكرامة وعزة نفس ،فعندما جئت الى الدنيا وكبرت وكنت قريب منه كان "يغمس" الخبز والبصل والملح ويقول الحمد لله الذي اكرمنا بهذه النعمة اللهم احفظها من الزوال ، وكان يسكن مع جدتي عليها رحمة الله في غرفتين من الحجز والطين والقليل من الاسمنت الى ان اختارهم الله الى جواره .
اب الشهداء الذي قدم دم قلبه ونور عيونه، لم يهتف ضد احمد اللوزي اوزيد الرفاعي او مضر بدران رؤساء الوزارات في تلك الفترة او ضد رفع الاسعار او فساد او يتهم احد، لا بل علمنا بان بقاء الوطن والمحافظة عليه اعظم واقدس ما في الوجود ، وادرك ان للوطن اعداء متربصين به ينتظرون سقوطه .
ليت لو نستفيد من الاباء والاجداد وينظر كل واحد منا ماذا قدم مقارنة مع هؤلاء قبل ان يطلب ويتهم او يفكر ان يخرب ويفسد امننا ويحقق امال وطموحات الذين يحسدوننا على استقرارنا وصلابة موقفنا وعدم تنازلنا عن مقدساتنا رغم شح الامكانيات وقلة الموارد ونحن نعيش في اقليم ملتهب واصبح مستنقع دم ،لا يعرف الا القتل والتنكيل والاغتصاب ، تاريخنا الاردني يزدحم بالبطولات والانجازات ، ان الاوان ان نخلدها ونحافظ عليها ، وبناء الاوطان يحتاج الى سنوات طوال وهدمها يحتاج لوقت قصير لا قدر الله .
حمى الله الاردن والقائد والجيش