إسقاط الـ"ف-16" .. أسئلة..!



أخيراً، فعَّل السوريون ما وصفوه سابقاً بـ"حق الرد" على الغارات التي يشنها طيران الكيان الحربي في الأراضي السورية، وأسقطوا له طائرة "ف-16" متطورة. وأحال محللون توقيت الرد إلى عدة عوامل، منها وجود قناعة لدى النظام السوري بأنه حسم الحرب الداخلية لصالحه إلى حد كبير، ووجود ثقة مولودة حديثاً لدى العسكريين السوريين. وربما أراد النظام استدراج خلط آخر للأوراق لتحريك الوضع الراهن غير اليقيني، علَّ الفوضى تفتح الخيارات. لكن البعض يرى أنه معني بتقوية وضعه الداخلي وليس فتح جبهة أخرى. وما يزال الغبار كثيفاً، لكن ثمة سؤال: هل سمح اللاعبان الحقيقيان في سورية، روسيا وإيران، للدفاعات الجوية السورية بالعمل، ولماذا؟ وهل كانت اليد التي أسقطت الطائرة سورية، أم روسية، أم إيرانية؟
يقال إن طيران "إسرائيل" يمتلك يداً طليقة بالعمل داخل سورية بإذن من روسيا التي تسيطر عملياً على الأجواء هناك، وينفذ عملياته بالتنسيق معها. ولم تتصرف إيران، القوة الأخرى المتواجدة بقوة هناك، ضد طيران الكيان حتى بينما كان يقصف حليفها الاستراتيجي حزب الله، ولا سمحت له بالرد. فما الذي تغيَّر من ناحية روسيا -أو إيران- ليغيّر العلاقة مع "إسرائيل"؟ أم هو شأن يتعلق بالولايات المتحدة؟
ردة فعل الكيان الأولية كانت شن هجمات لاحقة بصواريخ تم إسقاط بعضها، حسب التقارير السورية، وإسقاط مسيّرة إيرانية، وإعلان استنفار تضمن حظر الذهاب إلى الشمال المحتل ودخول المستوطنين إلى الملاجئ. كما سادت حالة من التحسُّب الرسمي والشعبي داخل الكيان، وأوامر بتفقد الملاجئ هناك. وتحدثت التقارير قبل ظهيرة يوم أمس، عن اجتماع لمجلس حرب الكيان، وعن أصوات تدعو إلى تجنب التصعيد. وإذا حدث أن تم اتخاذ قرار بعدم التصعيد، وربما وقف الغارات الجوية على سورية، فسوب يبدو ذلك متناقضاً للغطرسة المتعادة في الكيان.
من ناحية أخرى، وفي حال اختيار التصعيد، ما الذي سيعنيه ذلك؟ هل ستتواصل الغارات بكثافة أشد مع احتمال تعرض الطائرات للإسقاط بوجود منظومات الدفاع الجوي الروسية المتطورة في سورية والسماح باستعمالها؟ هل سيتم البحث عن تواصل وتنسيق جديدَين مع الروس لضبط هذه المنظومات، وما الصفقة التي ربما ينطوي عليها ذلك؟ وهل تغامر إيران وحزب الله بالرد وحدهما؟
يتحدث بعض المحللين المتحمسين عن التزام "محور المقاومة" كله بالاشتباك في حال أعلن الكيان الحرب على سورية. ويستشهدون بتصريحات الشيخ حسن نصرالله السابقة حول ذلك، ويذكِّرون بأنه لم يسبق له أن قال شيئاً ولم يفعله. وحسب الكثير من التحليلات، حقق حزب الله مكاسب كبيرة خلال السنوات التي مرت منذ حرب 2006، منها اكتساب الخبرة القتالية الميدانية في سورية، وامتلاك عدد هائل آخر من الصواريخ الأكثر تطوراً والأطول مدى، والتي تستطيع الوصول إلى أي مكان في فلسطين المحتلة. وحسب شهادة أخيرة من كاتب الإندبندنت روبرت فيسك، فإنه لم يرَ مقاتلين من حزب الله في سورية في رحلة بطول 2000 ميل هناك، مما يعني أن حزب الله ربما يكون قد أصبح متفرغاً لاحتمال الحرب مع الكيان.
من ناحية أخرى، يرى كثيرون أنه ليست من مصلحة الكيان فتح حرب شاملة غير مضمونة النتائج، والتي ربما تنخرط فيها قوى إقليمية غير متوقعة وتتخذ مسارات مفاجئة. وقد تجنب الكيان الاستجابة للتحميس من جهات إقليمية لخوض حرب في لبنان مؤخراً، وقال معلقون فيه إنه لن يحارب عن الآخرين. وتصور البعض أن خوض الكيان حرباً شاملة قد يلحق، بالمعطيات الموضوعية، ضرراً هائلاً بمشروعه ومصيره، بل وقد يؤذن بنهايته. فهو بطبيعته غير مقاوم للخسائر. وإذا أصاب عدد معقول من الصواريخ تجمعات مستوطنيه الرئيسية، فلدى معظمهم خيار حزم حقائبهم والرحيل إلى بلدان يحملون جنسيتها، في غياب الانتماء التاريخي والعاطفي الحقيقي للأرض. وفي الحقيقة، لم يكن سكان الكيان آمنين في أي وقت، وعاشوا دائماً خلف الأسوار ومع السلاح بجوار الأسرة وفي السوق.
أم هل سترغب الولايات المتحدة بالتصعيد لتدمير حزب الله وتحجيم إيران وتغيير تركيبة المنطقة بحسابات خاصة؟ ما العاطفة العربية الشعبية تجاه هذا التطور، وأين هي من المواقف العربية الرسمية؟ ستجيب هذه الساعات عن أسئلة وتطرح أخرى. وربما يكون الكثير قد تغير بين كتابة هذه السطور ونشرها!