الإنسان و اختيار الهدف الأسمى
الإنسان ذلك المخلوق و الكائن الحي و سيد الخلق أجمعين الذي فطر على عدة مقدمات سهلت عليه المهمة التي من أجلها وجد على وجع المعمورة و هي العبادة الخالصة لخالقه و سيده و مولاه فيحصد نتائج عمله بكل فخر و اعتزاز كيف لا وهو يرى صحيفة كتابه بيضاء ناصعة تخلو من شوائب الدنيا و معكرات صفو أخرته فلذلك يقع على عاتقه و لكي يصل إلى تحقيقه مراده و نيل سعادته ليس حسب في الدنيا بل حتى في الآخرة يجب عليه اختيار الهدف الأسمى الذي يجعله يسير على الطريق الصحيح و جادة الحق ، فالإنسان بطبيعة تكوينه الفسيولوجي يخضع لعدة اعتبارات تارة تكون ايجابية و أخرى تكون سلبية وتتوقف هذه تقع على مدى انسجامه مع عقليته و قوة عزيمته على محاربة الشيطان و مكائد غدره فيما تكمن الأخيرة انغماسه في ملذات الدنيا و زينتها الفانية و زخارفها الخداعة و مغريات النفس الأمارة بالسوء وهنا يكون الإنسان مدعاة للانتقاد و للسخرية بينما نراه يكون ذا قيمة جوهرية و مكانة مرموقة بين أبناء جلدته فيما إذا سار حسبما يمليه عليه عقله بما يتماشى مع إرشادات السماء فكلما كان الهدف الأسمى واسعاً و أكثر انفتاحاً كان أكثر تحقيقاً للنتائج الطيبة ، بينما إذا كان الهدف ضيقاً و في دائرة ضيقة يقيناً سوف تجري الرياح بما لا تشتهي السفن و تأتي النتائج عكس ما يتوقعه بسبب ضيق التفكير، فمثلاً العبادة الخالصة لله تعالى فهي ليس بالمنال السهل لأنها قائمة على اعتبارات لا تقف عند حدٍ معين و تتطلب من الانسان أن يضع أمامه خارطة طريق كي يصل إلى المبتغى المنشود وهذا طبعاً يقوم على إتباع منهج العقل وما يمليه علينا من تعليمات و تشريعات منبثقة من تعاليم و أحكام رسالة الإسلام الشريفة و العمل بموجبها بدقة متناهية و تعامل جيد معها و تطبيقها بحذافيرها و بخلاف ذلك فلا آمل لتحقيق سعادة الدارين لذلك ينبغي على الإنسان المسلم اختيار الهدف المهم والأوسع والأسمـى ، لأنـه كان أقرب إلى التلاشي في ذهن صـاحبه ، وخفيفا كلما كان الهدف ضيقا مما يؤدي إلى فتح باب واسع للتكالب والتزاحم للأمور التافهـة وبالتـالي الدخول في المحرمات الأخلاقية الشرعية وكلما كان الهدف أهم وأسمى قلت في الأخطاء و القبائح ، بسبب ما يحصل في ذهنه من المقارنة بين هدفه المهم المنشود وبين الشهوات التافهـة الرديئة ، فيلتفت إلى تفاهتها بالقياس إلى ذلك الهدف مما يؤدي إلى نظافـة وسعة روحية الإنسان ، فكيف إذا كان هدفه رضا الله سبحانه وتعالى الذي لا تتناهى عظمته ولا تنقطع قدرته ولا تنتهي نعمه ، وكلما اقترب الإنسان من هذا الهدف اشتدت رغبته إليه وأحس بعمق اغواره و بُعد منتهاه و كان ذلك منعشاً لآماله و مؤثراً في اقتراب الإنسان نحو الـصلاح والتكامـل ويكون مثله الأشخاص الذين قال فيهم خليفة المسلمين و أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) حينما وصف المتقين فقال عليه السلام ( كبر الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم ) .
بقلم // الكاتب حسن حمزة العبيدي