رفع سعر الفائدة والدولار الأميركي والتأثيرات العالمية

رفع سعر الفائدة والدولار الأميركي والتأثيرات العالمية إن زيادة سعر الفائدة على أي عملة سيعطيها قوة ولكن ليس أية فائدة وليست أية عملة، فلو كانت الفائدة على عملة محلية لا تتمتع بقبول عالمي فلن يكون لها أثر يُذكر، أما بالنسبة للدولار فالأمر مختلف تمامًا فالدولار أهمية كبيرة في التجارة العالمية إذ يمثل عملة أكبر اقتصادات العالم، كما تربط العديد من الدول عملاتها بالدولار أو بسلة عملات يمثل الدولار فيها وزنًا نسبيًا كبيرًا. كما أن الدولار يقوم بدور عملة الاحتياطي العالمي حيث يستحوذ على ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي فى العالم، ويتميز بكثافة التداول إذ يعد على رأس العملات المستخدمة في التجارة العالمية، ويتم سداد قيمة أكثر من نصف قيمة صادرات العالم بالدولار الأميركي، إذ تسعر كل دول منظمة أوبك نفطها بالدولار، ولذلك فإن أى اضطراب فى سعر الدولار يؤثر على أسعار تلك السلع، وعلى تقييم العملات الأخرى مقابل الدولار. كما يُستخدم الدولار في نحو 90 %من العقود التجارية على مستوى العالم، أي ما يقدر بنحو 5 تريليونات دولار يوميًا، ويستخدم 2 ترليون دولار في معاملات أسواق الصرف الأجنبى يوميًا كما يدخل في تعاملات البورصات المالية العالمية بكثافة قدرها 87 %من التعاملات. لذا تتميز التعاملات الدولارية بسهولة التحويل من وإلى العملات الأخرى أو الذهب، فيما يستخدم اليورو في التعاملات المالية العالمية بنحو 33 %من التعاملات. أما المعاملات المالية بالين الياباني فلا تتجاوز نحو 23 %ونحو 12 %من التعاملات المالية تتم بالجنيه الإسترليني. وتقدر نسبة الاحتياطي النقدي بالدولار في البنوك المركزية العالمية بما يزيد عن 62 ،%ويعد الدولار العملة الأكثر قبولاً في التعاملات التجارية والمالية العالمية، مقارنةً بأي عملة أخرى أو حتى الذهب والمعادن الثمينة. ما تأثير رفع سعر الفائدة على دول العالم؟ زيادة سعر الفائدة يعني ارتفاعا في سعر الدولار وهذا سيؤثر على الدولة التي اقترضت أو التي ستقترض؛ يعني أن الشخص/المؤسسة/ الدولة الذي سيقترض بالدولار سترتفع تكلفة اقتراضه بشكل دراماتيكي.، ومن جهة أخرى فإنه سيؤثر على فاتورة الواردات بالنسبة للدولة التي تستورد حاجياتها من الخارج بالدولار، بالنسبة للدول التي لديها ثروات طبيعية كالنفط والغاز كدول الخليج العربي وغيرها فإن مبيعاتها تتم بالدولار، وستكون الفوائد في هذه الحالة أكثر من المضار، حيث سترتفع القيمة الحقيقية لصادراتها من البترول من جهة ومن جهة أخرى ستنخفض قيمة وارداتها (نتيجة قوة الدولار أمام عملات الدول التي تستورد منها هذه الدول) خصوصًا عندما تستورد معظم وارداتها باليورو واليوان والين من دول آسيا وأوروبا وليس من أميركا. لذا ستنخفض قيمة الواردات ويتحسن ميزانها التجاري لأن قوة الدولار سيقابلها ضعف اليورو واليوان والعملات الآسيوية. فضلًا أن الدول النفطية وبالأخص الخليجية لها استثمارات كبيرة في سندات الخزانة الأميركية، وبالتالي ستحقق عوائد مرتفعة مع ارتفاع الفائدة على الدولار . لكن في المقابل سوف يؤدي ارتفاع سعر الفائدة إلى رفع سعر الفائدة المحلية في دول الخليج نتيجة ربط عملاتها بالدولار الأميركي مما يعني رفع تكلفة الاقتراض المحلي، وبالتالي ارتفاع تكلفة الاستثمار وهو ما قد يؤثر سلبا على حجم التوظيفات في الاقتصاد. أما بالنسبة للدول العربية غير النفطية، فإن قوة الدولار ستنعكس سلبًا على اقتصاداتها، بسبب حاجتها الماسة للدولار الرخيص لاستيراد السلع والخدمات من الخارج بالدولار فتزيد بالتالي فاتورة وارداتها، كما هو حاصل في مصر والسودان والمغرب والأردن والعديد من الدول العربية. ويعني أيضًا بالنسبة للدول التي اقترضت بالدولار أن قيمة تلك القروض ارتفعت عمّا كان عليه سابقًا. وبالنسبة للدول النامية كتركيا والبرازيل والتي تعتمد على الاستثمارات الأجنبية وتواجد الدولار فيها فإن ارتفاع سعر الفائدة يعني ارتفاع ريع سندات الخزانة الأميركية وزيادة جاذبيتها بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وبالتالي نزوح المستثمرين الأجانب من تلك الدول إلى أميركا للاستثمار في سندات الخزانة الأميركية. تأثير ارتفاع سعر الفائدة والدولار على البنوك الخليجية والعربية بمجرد إعلان الفيدرالي الأميركي عن أي رفع لسعر الفائدة تقوم البنوك المركزية الخليجية بخطوة مماثلة، نظرا لارتباط العملات الخليجية بالدولار. عند تقييم تأثير قرار رفع سعر الفائدة الأميركية على البنوك العربية لا بد من التمييز بين نوعين من القروض: القروض المقسطة الطويلة الأمد والقروض الاستهلاكية التي بمعظمها قصيرة الأمد. فالقروض طويلة الأمد، التي تخضع لفائدة عائمة ستتأثر بارتفاع الفائدة التي ستنعكس عليها عند استحقاق موعد مراجعة القرض. على عكس القروض الاستهلاكية التي تخضع في معظم الأحيان لفائدة ثابتة، ما يعني أن القروض الممنوحة مسبقا لن تتأثر بقرار رفع سعر الفائدة ، ليلحق التأثير القروض الجديدة فقط. كذلك الأمر على الإيداع، بحيث تتأثر الإيداعات الجديدة بتأثير رفع الفائدة ، أي أن الفرد سيحصل على فائدة أعلى على الودائع الجديدة. في حين تبقى الفائدة دون تغيير على حسابات الإيداع المسبقة لحين موعد استحقاقها. ورفع سعر الفائدة الخليجية ليس في مصلحة الدول الخليجية لأن اقتصادياتها تتحرك في الوقت الحاضر بالاتجاه المعاكس للاقتصاد الأميركي، ففي حين تحاول اقتصادات النفط تحفيز النمو في ظل تراجع أسعار النفط، تعمل الإدارة الأميركية على كبح النمو، من خلال تشديد السياسة النقدية. بالنسبة للدول التي لا تربط عملاتها بالدولار الأميركي فان ارتفاع سعر الفائدة الأمريكية ومن ارتفاع قيمة الدولار سوف ينعكس على انخفاض قيمة عملاتها أمام الدولار مما يعني ارتفاع قيمة صادراتها وديونها المقومة بالدولار وانخفاض وارداتها المقومة بالدولار. وهذا سوف يكون له تأثير سلبي على مستويات الأسعار في الأسواق المحلية. تأثير ارتفاع سعر الفائدة على أداء القطاعات الاقتصادية قرار رفع أسعار الفائدة سوف يكون له تأثير سلبي على أداء الشركات التي تعتمد على التمويلات والقروض من البنوك وعلى أساس سعر الفائدة المتغير وليس سعر الفائدة الثابت والذي يوسع هامش الربح للبنوك والتي سوف تكون مستفيدة من ارتفاع سعر الفائدة في ظل الفجوة بين الفوائد المدفوعة على الودائع وسعر الاقراض. كما أن ارتفاع سعر الفائدة سوف يكون له انعكاسات سلبية على الاستثمار في البورصات في ظل منافسة سعر الفائدة على الودائع مع عائد الاستثمار في البورصات والتي تحمل مخاطر عديدة. بينما يتوقع ان تتأثر سلباً قطاعات السياحة والسياحة العلاجية والخدمات بعد الارتفاع الكبير في سعر الدولار نتيجة ارتفاع التكلفة على السياح في دول غير مرتبطة عملاتها بالدولار بينما قد تواجه الشركات الصناعية والمنتجات المحلية وشركات التصدير منافسة نتيجة ارتفاع التكلفة مع ارتفاع سعر الدولار عند التصدير لدول عملاتها غير مرتبطة بالدولار. وارتفاع سعر الفائدة سوف يشكل تحديا إضافيا للشركات العقارية نتيجة ارتفاع الفائدة على قروضها بينما تنخفض جاذبية أسواق العقارات للمستثمرين في الصين وروسيا على سبيل المثال ومعظم الرهون المسعرة على أساس فائدة ثابتة سوف يجعلها بمعزل عن تأثيرات ارتفاع سعر الفائدة وحيث يشكل هذا الارتفاع تحديا إضافيا للشركات الصغيرة والمتوسطة. رئيس اتحاد المصارف العربية السابق