هــذه مهـمــة التـيــار الـرابــع


الان نكتشف ان مجتمعنا يعاني من فقر سياسي، وأن قواه الاجتماعية ضعيفة وغير منظمة، وأن نخبه مشغولة بصراعات وحسابات سياسية ضيقة، كما نكتشف ايضا اننا نفتقد «للعقل»السياسي القادر على رسم خريطة للخروج من الازمة، فنحن لم ننجح-مثلا- في التوافق على عقد مؤتمر وطني يطلق وثيقة جامعة ترشدنا الى الصواب، او تضغط لتنفيذ الاصلاح المطلوب، او تواجه عواصف الاستحقاقات الاقتصادية التي زلزلت المجتمع، ومن المفارقة هنا ان اجدادنا قبل نحو 90عاما -وفي لحظة اقل خطرا من اللحظة الراهنة-تنادوا وعقدوا مؤتمرهم الوطني الاول وحددوا فيه مطالبهم بالتفصيل.
امام استعصاء الاصلاح العام من جهة، وتعطل حركة المجتمع بشكله الراهن، يبدو السؤال عن مخرج من الازمة مشروعا وضروريا، كما يبدو البحث عن طريق جديد او تيار (رابع) يوازن بين ما يريده الناس حقا وما يفترض ان تقدمه الدولة خيارا-ان شئت قدرا-لا مفر منه.
اللاعبون على الساحة منذ عام انقسموا بين ثلاثة اتجاهات رئيسة: حراكات شبابية ترفع شعارات بسقوف عالية وتتشوق الى التغيير، لكنها في الغالب لا تملك مشروعا او برنامجا سياسيا محددا، وقوى واحزاب ونخب تسير(تلهث:ادق)خلف الشارع وتحاول ان تتكيف مع مطالبه لكنها تبدو مشلولة تماما عن الاستثمار في اي شئ، وتيار يحاول فرملة عجلات الاصلاح وتزيين خطابه وصورته والعمل على ايقاعه؛ من اجل استيعابه بحلول شكلية ترسخ الوضع القائم مع اضافة بعض التحسينات عليه،وهدفها هنا تجاوز الازمة بأقل ما يمكن من تنازلات، والرد على مطالب الناس والنخب ايضا بأجوبة مبهمة تعتمد التدرج والمرحلية والاستجابة «بالقطعة» والتقسيط.
مشكلة التيارات التي تتصارع هنا على الاصلاح، أنها ما زالت تدور في حلقة مفرغة، وتتشابك على تخوم الموضوع وتتخوف من الدخول في العمق، طبعا معها حق؛ فالدخول قد يفرض عليها دفع فاتورة سياسية ليست مستعدة لها، او ربما لا تريد ان تدفعها لاسباب ذاتية او داخلية او اخرى تتعلق بما يحدث في الاقليم وبالحسابات الدولية ايضا، وبالتالي فان مهمة «التيارالرابع» هي اختراق الحالة بمبادرة جريئة تردم الفجوة بين «الخيبات «التي اصابت الناس واسكتتهم عن الفعل، وبين»الوصفات» التي تقدمها الحكومات، وتجسير الفجوة هنا يتعلق «بالثقة» اولا-من جهة استعادتها وتقديم ما يلزم من ضمانات لاقناع الناس بجدية المسؤول في التغيير، وبعقلنة المطالب -ثانيا-مع التنبيه هنا الى عدم تجاوز مضامينها الاساسية المرتبطة بحقوق الناس وطموحاتهم واحلامهم ايضا، وثالثا- بوضع خارطة طريق واضحة ومحددة الزمن لبناء مرحلة انتقالية جديدة على معادلات سياسية عاقلة تراعي تجديد الحالة السياسية وفق معايير ومضامين ووجوه تتناسب مع طبيعة المرحلة واستحقاقاتها.
يمكن «لمجموعة من العقلاء»، من غير المحسوبين على التيارات البارزة في الملعب السياسي، او من داخلها اذا ما تجاوزوا حساباتهم ومخاوفهم، ان يتبنوا هذه الفكرة باسم الاغلبية الصامتة، ولتكن مهمتهم الاولى محددة في طرح مبادرة «انقاذ» وطني، تشكل مرجعية سياسية واخلاقية ملزمة للجميع، وقد تعتمد هنا على ما تم انجازه في الميثاق الوطني الذي صدر في مطلع التسعينيات بتوافق اغلبية القوى السياسية، لكن لا بد من مراعاة ما استجد من قضايا وتقديم اجابات حاسمة عن كل الاسئلة»المقلقة» المتعلقة بها؛ ابتداء من قضية الاقتصاد والفساد الى المواطنة والهوية الى هواجس الحلول الجاهزة التي تلوح في الافق على حساب «وجود الاردن» ومصالحه.
باختصار، مهمة هذا التيار العابر للاحزاب والشارع والحكومات، والمتصالح مع فكرة،لا بل مع ضرورة، «انقاذ الوطن» واخراجه من ازمته، هي التقاط اللحظة الراهنة، بكل ما تحمله من اشارات واخطار واستحقاقات؛ لطرح خطة او برنامج عمل او مشروع يتم اشهاره لاحقا من خلال مؤتمر وطني عام يخرج من رحم المجتمع ويكون خيارا له لا مفروضا عليه، واذا حصل ذلك وحاز على توافق الاردنيين ولبى مطالبهم، عندها سيكون ملزما للجميع، وسنضع انفسنا وبلدنا على الدرجة الاولى من سلم التحول الديمقراطي الحقيقي الذي قد يبدأ بانتخابات نيابية وفق قانون توافقي عادل .. وحكومة تمتلك ارادة التغيير، ومحاسبات واعتذارات ومصالحات تعيد لمجتمنا عافيته وسلمه الداخلي وتجنبه اخطار الفوضى والتدخل والهروب الى المجهول.