التحدي بوابة التوتر
لم نكن بحاجة إلى ما حدث أمس من إصابات بين رجال الشرطة والزملاء من الإعلاميين الذين كانوا يؤدون واجبهم المهني، لأننا لم نختلف على حق التعبير، وشهد الأردن حوالي ألفي فعالية، بما في ذلك أمس في بعض المحافظات، من دون أي توتر، ولأن الأردن سجل نموذجا في هذا المجال. لكن لجوء البعض إلى التحدي والندية فتح الباب أمام التوتر والإصابات بعدما كانت أي مسيرة حدثا عاديا خلال الأشهر الماضية. فالتحدي يصنع الأزمات، وهو بوابة التوتر. وعندما يكون التحدي، تغيب لغة الحوار وتدخل لغات أخرى.
والتحدي الذي نتحدث عنه لا مبرر له، لأنه لا يتعلق بحق التعبير السلمي، وإنما يعبرعن توجهات لدى البعض تعود لأسباب ليست مجهولة. وهذا التحدي له محركات سلبية، تنطلق من فكر غير سلمي ولا ديمقراطي، مثل الفتوى بأن قتلى المتظاهرين في الجنة وقتلى الدولة في النار، وكأنها معركة بين مؤمنين وكفار، وليست خلافا سياسيا، وتقسم الدولة إلى خندقين من الكفرة وأهل جهنم وأهل الجنة، علما أن من يفتي كان يوما جزءا من سلطات الدولة، وربما ما يزال يتقاضى تقاعدا ضخما منها. إنها فتوى تكشف أن البعض أقرب إلى منهج التكفير منه إلى الإصلاح، وهو خطر على كتلته قبل المجتمع.
وليس سرا أن بعض القوى السياسية بنت منطلقات تعاملها مع المرحلة على أساس أن الدولة في حالة ضعف، وأنها مضطرة تحت ضغط الظروف إلى القبول بكل ما يتم فرضه عليها من أي طرف. والبعض يعتقد أن الدولة عندما تعاملت بإيجابية وسمحت بآلاف الفعاليات والمسيرات والمظاهرات كانت تتظاهر بالديمقراطية، وأنه إذا تم إحراج الدولة واستفزازها ستكشف عن وجهها الحقيقي، وستخسر الصورة الإيجابية لأنها ستلجأ للقمع، ويخسر النظام السياسي ما نجح به خلال الأشهر الماضية من تقديم نفسه قائدا للإصلاح وببرنامج واضح تم إنجاز خطوات منه. وكان اتفاقنا جميعا على حق التعبير يزعج البعض الذي مصلحته الاختلاف، وأن يكون في موقع الضحية والمضطهد. ومن يتبنون هذا الخيار يخوضون معركة بعيدة عن الإصلاح، لأنها معركة مع النظام السياسي ومضمونه وعوامل وجوده، وليست معركة تشريعات ودستور.
وفي بلدان عديدة، بما فيها الأردن، هناك قلة سياسية لا ترى الإصلاح تغيير تشريعات وتعديل دستور، بل تراه تغييرا لبنية النظام السياسي، وتريد أحداثا مدهشة وكبيرة وانقلابات ومحاكمات سياسية، ولهذا فإنهم لا يريدون للمسار التشريعي والدستوري أن يتم، وهم من أداروا ظهورهم للحوار لأنهم يعتقدون أن الشارع هو طريقهم لتحقيق ما يتمنون من تغيير لبنية النظام، بل ربما يطمحون لما هو أكبر. وتعزز هذه الأحلام نوعيات من القيادات تأمل أن تكون قادة الثورة والربيع الأردني كما حدث في دول أخرى.
لو أن مسارات التفكير لدى البعض بقيت، كما كنا نسمع منهم قبل عام، من مطالب سقفها تعديل قانون الانتخاب عبر حوار توافقي وإجراء انتخابات نزيهة، لكان ما يتحقق اليوم مصدر فرح لهم، لكن الأجندة تغيرت، ولهذا نجد ما نراه ونفهم ما يجري وفق الحسابات الخاطئة والأحلام التي صنعت خطابا مناقضا لكل ما كان يقال قبل عام من اليوم.
لا يمكن أن نرى إصلاحا في بلد غير مستقر، ولا إصلاح في ظل فكر يحرّض على الدم ويقترب من الفكر التكفيري، ولا إصلاح إذا لم نتفق على الأردن وطنا وليس ساحة.