حوار التوافق الوطني البحريني
حوار التوافق الوطني البحريني
عند انطلاق ربيع الثورات العربية بدأت الجموع الشعبية العربية المتضررة من حكوماتها والمتشابهة الأزمات بالتمترس خلف مطالبها والبحث عن نخب لقيادة هذا الحراك الشعبي لصياغة واستخلاص مطالبها البديهية أصولا، ومعظمها عند انطلاق الثورات وجدت نفسها بلا نخب مهيأة لقيادتها وبيان بوصلتها في حين قفزت بعض النخب المهمشة قديما لتأخذ حصتها بعد ضمان نجاح الثورة.. ورغم ذلك استطاعت معظم هذه الثورات المستحقة وضع قدمها على بداية التغيير لاستحقاقه الحتمي، وما زالت هذه الجموع الشعبية تشق طريقها نحو الحرية في جمهوريات الموز العربية.
تشابهت الثورات العربية بمعظم مطالبها ويكاد يكون قد توحدت أمام نسخة مكررة من أنظمة للجمهوريات العربية التي شابهت نموذج الأمبرطوريات في العصور الظلامية من حيث الفساد والديكتاتورية والاحتيال المنظم لاغتصاب السلطة الأبدي، وبعكس بعض التنبؤات التي كانت تطرح من قبل المعسكر الاشتراكي العربي.. فأن السلطات العربية التي تميزت بحكم ملكي أو أميري لم تتعرض لأية ثورات حقيقية أو انتفاضات شعبية بل يلاحظ التفاف جماهيري وخوف عليها من قبل معظم شعوبها التي أصبحت تخاف على حكامها حتى من حاشيتهم بعد مقارنتها بالنماذج الجماهيرية الطاغية في الوطن العربي.
ولا يمكن أن يعزى ذلك لعجز شعوبها في المطالبة بالديمقراطية النموذجية الغربية، بل لوحظ أن شعوب هذه الملكيات والإمارات العربية تملك مساحة أوسع بكثير من الديمقراطية والحرية من التي منحها رؤساء الجمهوريات لشعوبهم، وتعيش في وضع اقتصادي وامني أفضل حيث يعزى ذلك لصدّقية النهج الملكي مع التسمية وتطابق الحكم مع الدستور وطبيعة الحكم الملكي المنحاز للنهوض بالشعب لمستوى اقتصادي معين يتناسب والطروحات والإرث التاريخي للعائلات الحاكمة، والتي تجد استقرارها في الاستقرار الشعبي.. بعكس الأنظمة التي قفزت على الحكم بالانقلابات والتي ترى دوام مستقبلها بدوام إشكالية تداول السلطة وإشغال الشعوب في القضايا المعيشية واستحضار الأخطار الخارجية.
ولا يفهم من ذلك ن الشعوب العربية لا يمكن أن تتعايش مع النظام الديمقراطي أو أنها لا تستحق الديمقراطية المثالية التي تعني حكم الشعب بنفسه عبر وسائل انتخابية مباشرة لسلطته، بل قد يضعنا ذلك أمام إشكالية الشخصية العربية العامة التي تقيد معظمها ايدولوجيات عقائدية تظهر بقوة عند الأزمات، وهذه المعتقدات أو الموحدات الضمنية حسب الحالة قد تنتج (نخبا) أو مراكز قوى تعمل على تحويل وركوب وبالنهاية اغتصاب المسار الديمقراطي المتعارض مع بعض الايدولوجيات.
ذلك يعود بنا الى المربع الأول حيث أن بعض الايدولوجيات التي تملك بابا رئيسيا قاسيا ومقدسا للولاية والحكم ولا تحتمل النقاش.. تعمل على اغتصاب كامل لبعض عقول وقلوب العامة (الرعية) وتدفع باتجاه ديكتاتورية مطلقة بالنهاية في حال الرجوع الى (الأكثرية) المسيرة حسب الحاجة من قبل النخب المؤدلجة التي تسعى الى استلام القرار بطريقة ديمقراطية للوصول الى الديكتاتورية المشرعة عقائديا مثل ما يحدث في العراق اليوم.
هذه (الأكثرية) بالحالة العامة نجدها جاهزة كأكثرية موحدة فجأة عند الأزمات والتي لم يكن لها أن تكون أكثرية دون تحديد أو استغلال اللون عقائدي أو ألاثني لها بواسطة رموز وشخصيات مميزة طائفيا أو عشائريا أحيانا ومارست دور النخب المحركة التي قامت بانتقاء طائفي من العامة وجمعتها ومترستها تحت لون واحد قبل بدأ المطلب بالتغيير(بعكس المطلب الديمقراطي الذي يقتضي استيعاب الجميع ضمن ديمقراطية نقية غير مؤدلجة أو مسيسة وضمن قوانين بسيطة تفرض المساواة للجميع والتكنوقراطية في تحديد السلطة التنفيذية في السلطة).
ففي بغداد اليوم يحكم المالكي الذي وصل الحكم بطريقة ديمقراطية هزلية بفعل (الأغلبية) التي كانت تأخذ تعليمات الانتخاب بفتوى دينية من السيستاني المندوب الرسمي (للإمام الفقيه)، حيث كانت الفتوى تقتضي بتكفير من يخرج عن قرار المرجعيات في تحديد المرشح للرئاسة.
إذا نحن أمام ديكتاتورية مطلقة تمارس الاحتيال من خلال ركوب الديمقراطية المتاحة والمفروضة بحكم الاستهلاك الخارجي للوصول الى مشروع عقائدي لمجموعة استطاع مركز قرارها (في هذه الحالة الولي الفقيه) أن تستخدم الإرهاب العقائدي لتطويع الجميع في شخصية واحدة (سياسة القطيع) وذلك أمام واقعية تفجير (لأغلبية) المجموع الشعبي العام الحقيقية بسبب تشتيت قدراتهم على التغيير وكذلك الذين لم يستطيعوا المحافظة على مزايا الأكثرية بفعل المفاجأة التي أدت الى تشتيتا فوضويا لانتمائهم للحرية والديمقراطية والحياة المدنية الحقيقية.
هذه الحالة التي أدركتها القيادة البحرينية وقام ملك البحرين بمواجهتها حماية لشعبه ودون اللجوء الى الحل الجراحي والذي يتمثل في قمع الفتنة بالقوة، بل احتضن الجميع عبر فتح الحوار التوافق الوطني المحتوي لجميع البحرينيين، حيث ما زال هذا الحوار هو الحل الوحيد لإكمال المسيرة الديمقراطية في البحرين رغم إدراك الجميع بصعوبته لوجود ممانعة مسبقة ممنهجة تعجيزية ممن يمثلون بعض المعارضة الذين اخذوا على نفسهم عهدا بتمثيل مطلق لنفس الولي الفقيه صاحب مشروع الخراب الذي يحاول استغلال الربيع العربي لإكمال مشروعه الذي يستهدف الوطن العربي بأكمله.
كان الله في عون البحرين على مندوبي الخراب في مؤتمر التوافق الوطني وخارجه والذي يحاولون اغتصاب لقب المعارضة الوطنية وهم لا يملكون أي صلاحية فعلية أو قدرة على اخذ أي قرار بالتوافق.. بل تنحصر مهمتهم في إيصال الحوار الى حائط مسدود من خلال استغلال ماكر لمصطلح الأكثرية (تصنيع إيراني تجميع بحريني)، حيث عميت بصيرتهم ولم يتعظوا من تجربة العراق التي أصبحت تحتل المرتبة الأخيرة بالعالم من حيث الأمن والرخاء والاستقلالية.. أو من تجربة دولة الأحواز العربية التي ذابت حدودها داخل بطن الغول الفارسي تحت حجة أكثرية مزعومة للطائفة (المستضعفة) في دولة الأحواز وضرورة انتمائها.. بل انقيادها حكما بفعل العقيدة للديكتاتور الأكبر في قم.
جرير خلف