الانقلاب الانفصالي في عدن! 2/2



لم يكن للسعوديين من خيار غير تقليم أظافر الحوثيين الذين تنكروا للاتفاقات التي أعلنها حسن نصر الله في أول خطاب له بعد اندلاع عاصفة الحزم، وقد اندلعت عاصفة الحزم تحت قيادة التحالف العربي، وانخرط بعض الحراكيين في المقاومة ضد الحوثيين في الجنوب، بجانب المقاومة الإسلامية بشقيها السلفي والإصلاحي، وهنا لَمَع نجم عيدروس الزبيدي الذي كان قياديا في حراك علي سالم البيض، وكان قد زار إيران ولبنان، حيث تولى قيادة المقاومة في محافظة الضالع، وكانت أول محافظة تتحرر بعد تدخل القوات البريّة للتحالف في الجنوب مما رفع من أسهمه وسط مختلف فصائل الحراك الجنوبي!
ويبدو أن السعودية أطلقت العنان للإمارات في الجنوب راضيةً أو مكرهة، وبعد التدخل البري الذي تُوِّج بالنصر على الحوثيين وطردهم من معظم أراضي الجنوب، اتضح بأن الإمارات في عجلة من أمرها، حيث عملت بشكل حثيث في عملية استثمار مشاعر الكراهية الجنوبية ضد الشماليين، بتوسيعها وتنظيمها ودعمها حتى تقود إلى فصل الجنوب عن الشمال، حيث دعمت التيارات الانفصالية، وقامت بإقصاء التيارات الوحدوية ولا سيما الإسلامية، وتعرّض أئمة المساجد الوحدويون للإبعاد من مساجدهم، وتطور الأمر إلى عمليات اغتيال منظمة طالت العشرات منهم، وتشير كل أصابع الاتهام إلى الحراك الانفصالي المدعوم من الامارات، وقد اتهم بيان صدر من أحد الفصائل السلفية المخابرات الاماراتية بشكل صريح قبل أيام قليلة!!
ومع الأيام أصبح الحراك الانفصالي سلطة أمر واقع، بفعل الدعم الإماراتي اللا محدود، تكوّن جيش مواز للجيش الشرعي تحت مسمى الحزام الأمني في عدن، والنخبة الحضرمية في حضرموت والنخبة الشبوانية في شبوة، وهما المحافظتان اللتان تملكان مخزونات النفط والغاز، بجانب أن عدن هي الميناء الرئيسي والعاصمة الاقتصادية، وأطلقت يد هذه المليشيات لتحقيق الأجندة الانفصالية تحت راية التحالف العربي، وأجبرت الرئيس هادي على البقاء في السعودية ومنعت سفن الدعم من دخول ميناء عدن، وحالت دون وصول طائرة الأموال المطبوعة من النزول في مطار عدن، وعندما أصر هادي على المجيء إلى عدن كادت أن تسقط طائرته لولا تدخل السعودية وعودته من حيث أتى بعد جولة خاطفة!
وفي السنة الماضية اتخذ رئيس الحكومة د. أحمد عبيد بن دغر قرارت جريئة لتثبيت الشرعية في عدن، وعاد إلى عدن رغم تعرضه لمضايقات القوات الإماراتية والحزام الأمني، والتي وصلت إلى حد محاولة الاغتيال، وأبعد الرئيس هادي صقور الحراك الانفصالي من مناصبهم الحكومية وعلى رأسهم زعيم الحراك الجديد عيدروس الزبيدي الذي كان قد عيّنه محافظا لعدن، وظل يُسخر كل إمكانيات الشرعية لنخرها من الداخل!
وعندما أزيح عيدروس الزبيدي من محافظة عدن، أظهر ما بقي معه من أوراق انفصالية مخفية، وأسس ما سماه بالمجلس الانتقالي، الذي حضّره لاستلام السلطة بعد إسقاط السلطة الشرعية على الطريقة الحوثية في صنعاء، وبدأت كوادره بتطبيق الانفصال على الأرض، من خلال السيطرة على مراكز الدخل المالي وفي مقدمتها الميناء، والقيام بحملات اعتقال وتعذيب وطرد ضد المواطنين الشماليين في عدن، بجانب أمور عديدة لا يتسع المقام لذكرها!!
وفي الشهر الأخير اتخذ رئيس الحكومة الشرعية إجراءات عديدة ساهمت في رفع أسهم الشرعية، فارتفعت الأصوات ضده داعية إلى إبعاده أو قتله، وكانت آخر هذه الإجراءات منع حملات الاعتقال للشماليين في عدن، وجلب الوديعة السعودية للبنك المركزي مما منع سيناريو سقوط الشرعية الذي كان ينتظره الانفصاليون في عدن والانقلابيون في صنعاء، بجانب الإصرار على تحرير تعز ومدها بالسلاح والمال من أجل تحقيق هذه الغاية!
هذه النجاحات التي حققها رئيس الحكومة أصابت المجلس الانتقالي الانفصالي بالهستيريا ولا سيما بعد إعلان العزم على رفع الحصار كلياً عن تعز، فأعلن قبل أيام مطالبته لرئيس الجمهورية بعزل بن دغر وأعطاه مهلة لمدة أسبوع، بتهمة الفساد وهي ذات التهمة التي وجهها الحوثيون لحكومة باسندوة قبل الانقضاض على السلطة في صنعاء، وهي من أشرف الحكومات التي عرفتها اليمن، وحينذاك استجاب الرئيس هادي لمطالب الحوثيين، لكنه وعى الدرس هذه المرة كما يبدو، ولذلك فقد وجّه ألوية الحراسة الرئاسية بالوقوف بقوة مع رئيس الحكومة!
وبالطبع فقد انتهت المهلة، وانطلق الحزام الانفصالي بمحاولة للانقلاب على السلطة بأسلحة متطورة، وبأموال وغطاء إماراتي كامل.

(*) رئيس منتدى الفكر الإسلامي، أستاذ العلوم السياسية جامعة تعز