مشرد شكسبير وشركاه

كان، كما تقول العامة، «ثقيلاً»، لجوجاً، ملحاحاً، لا يأخذ حال غيره في الاعتبار. وكانت هي فتاة مسكينة تريد الاستقرار في باريس، فأعطاها أهلها ثلاثة آلاف دولار لتفتح مكتبة صغيرة لإعارة الكتب الإنجليزية. بعد جهد أصبح لديها في «شكسبير وشركاه» نحو 200 مشترك، أي ما يكفي لحياة بسيطة في باريس 1919 ما بعد الحرب الأولى.


شيئاً فشيئاً، أخذ القادمون إلى باريس من الولايات المتحدة وبريطانيا، يتعرفون إلى المكتبة وصاحبتها الأميركية سيلفيا بيتش. ونحو عام 1923 بدأ يتردد عليها رجل طويل ناحل من آيرلندا. يستعير الكتب ويردها، وأحياناً، يعتذر عن عدم تسديد بدل الإعارة. ثم جاءها ذات يوم ومعه رواية مخطوطة قائلاً إنه يريد نشرها. وقالت له الآنسة بيتش، نحن مكتبة، لا دار نشر، ومكتبة فقيرة فوق ذلك، ثم إننا في باريس، وسوق الكتب الإنجليزية محدودة جداً، لماذا لا تحاول في آيرلندا أو لندن؟ وأجاب الرجل الطويل الناحل ذو النظارتين العتيقتين، أنه حاول ولم ينجح.
وقررت الآنسة بيتش أن تخوض المغامرة، غير مدركة ماذا ينتظرها. بعثت بالمخطوطة إلى مطبعة صديق لها في مدينة ديجون. وبعد أيام علا الصراخ في المدينة! هذا الرجل لا يكفّ عن إرسال التصليحات والإضافات. ثم المزيد منها. إنه يتصرف وكأن ليس لدينا عمل آخر.
وكانت الآنسة بيتش تعتذر. وبعد أشهر انتهى مخاض الطبع، وبدأ مخاض التوزيع. وأخذ يشرف بنفسه على بيع القليل من النسخ في «شكسبير وشركاه» غير آبه لضيق المكان وازدحامه بسهولة. ثم تقرر شحن بعض النسخ إلى الولايات المتحدة، فبيعت كلها. واشتم قراصنة الكتب رائحة نجاح في الرواية الجديدة، فبدأوا تزوير الطبعات في الولايات المتحدة.
ما العمل؟ الحل الوحيد هو البحث عن ناشر أميركي. وتم العثور عليه بغير صعوبة. لكن المركز الأول للبيع ظل في باريس. وأصبح بإمكان الآنسة بيتش أن تدفع بسهولة تكاليف الطباعة. بل إن اللجوج المتطلب أصر على لون أزرق معين غلافاً للكتاب، لم يتم العثور عليه إلا في ألمانيا، فأرسلت الآنسة بيتش تطلبه من ألمانيا.
لم تكن تدرك، الآنسة البسيطة، سيلفيا بيتش، أنها أصبحت ناشرة رواية اعتبرت أهم عمل روائي بالإنجليزية في القرن العشرين: «أوليس» بقلم جيمس جويس. ولا عاش جويس طويلاً ليرى أنه أصبح بين أعظم كتّاب النشر بالإنجليزية. والعاصمة التي رفضت السماح بنشر «أوليس» تقدم الآن جولة سياحية في الأماكن التي عاش فيها أبطالها ليوبولد بلوم وستيفن ديدالوس وموللي بلوم. إنها شديدة الاعتزاز بمشرد «شكسبير وشركاه».