الربيع البريطاني يطيح بمردوخ ويتخلص من سحره.. مملكته في الريح واحاديث عن اسقاطها لشركتين

بعد ان اجبر التايكون الاسترالي- الامريكي روبرت ميردوخ على التخلي عن محاولاته للسيطرة على شركة 'بي سكاي بي' (قيمتها 8 مليارات جنيه) بعيدة فضيحة التنصت على الهواتف، الاموات والاحياء، تبدو مملكة ميردوخ البريطانية في حالة من التهلهل التي تهدد ايضا بالعبور للطرف الاخر من المحيط الاطلنطي حيث يملك ميردوخ مصالح تجارية واعلامية فيها خاصة في الشاطئ الشرقي من الولايات المتحدة.
وبدت الفضيحة التي تعود الى اعوام، وفتحت من جديد بعد الكشف عن قيام 'نيوز اوف ذا وورلد' التي كانت واحدة من صحف الامبراطورية 'نيوز انترناشونال' وهي التي تدير مصالح ميردوخ في بريطانيا بالتنصت على هاتف فتاة اختطت ثم وجدت مقتولة وهي ميلي داولر (13 عاما)، وذلك عام 2003 وكشف فيما بعد عن قيام صحيفة التابلويد التي صدر عددها الاخير يوم الاحد عن عمليات تلصص على مساحة واسعة، حيث استهدفت العائلة المالكة، واشترت دليل هواتفها بالف جنيه من احد الحراس في القصر الملكي، وكشف عن تلصص اخر على عدد كبير من النجوم والمسؤولين السياسيين واهمهم غوردون براون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، الذي حاولت صحيفة 'صاندي تايمز' الحصول على معلومات عن تعاملاته المالية عن شقة اشتراها في التسعينات وبالغت اكثر عندما قامت صحيفة 'صن' وهي من مجموعة ميردوخ بالحصول على سجل ابن براون المريض بداء مزمن في الكبد، لدرجة ان براون قال انه بكى عندما قرأ الخبر في صحيفة تابلويد.
وعلى الرغم من محاولة ميردوخ الذي تسيد الحياة الاعلامية البريطانية منذ 40 عاما وكان صانع الملوك فيها، لململة العملية والدفاع عن العائلة القريبة والبعيدة ومواصلة محاولاته كي يملك الشركة 'بي سكاي بي' بشكل كامل حيث تبلغ اسهمه فيها 39 بالمئة، الا انه اضطر تحت ضغط السياسيين البريطانيين للتخلي عن المناقصة، وكان قادة الاحزاب الثلاثة: رئيس الوزراء وزعيم المحافظين ديفيد كاميرون، وزعيم العمال اد ميليباند، وزعيم الديمقراطيين الاحرار، نيك كليغ قد اتحدوا مع البرلمان لاجبار ميردوخ على التنازل عن محاولاته، ومعه التخلص من تأثيره في الحياة السياسية، فقد اعتبروا انقاذ الشركة من يديه في مصلحة الديمقراطية البريطانية التي اتهم ميردوخ بالتأثير عليها وعلى الحريات.
وفي الوقت الذي تتابع فصول القصة من القاء القبض على مساعدين سابقين عملوا في 'نيوز انترناشول' ومساعد اندي كولسون، رئيس تحرير 'نيوز اوف ذا وورلد' السابق نيل واليس، فميردوخ ورئيسة 'نيوز انترناشونال' ريبيكا بروكس، اصبحا مطالبان بتقديم شهادات للجنتين اللتان اعلن كاميرون تشكيلهما، اضافة لنجل ميردوخ، جيمس، وبدا التايكون منذ وصوله الى لندن يوم السبت مشغولا بلململة الازمة التي رفضت ان تذهب بل وكبرت وتهدد بالاطاحة برؤوس في الشرطة التي يقال انها لم تأخذ التحقيقات الاولية في التنتصت على محمل الجد، متذرعة بالحرب على الارهاب، فيما توالت اخبار اخرى من امريكا بان مكتب التحقيقات الفدرالي 'اف بي اي' يخطط للتحقيق في ما قيل ان صحافيي 'نيوز اوف ذا وورلد' تنصتوا على عائلات ضحايا ايلول (سبتمبر) 2001. ومن هنا فان الفضيحة التي تمر بها امبراطورية ميردوخ لم تؤد الى زعزعتها من داخلها بل تهدد مستقبل مجموعة 'نيوز كوربوريشين' العالمية التي تمثل اجنحة الاخطبوط في كل انحاء العالم.
ويعتقد ان قرار مردوخ التخلي عن محاولاته في بي سكاي بي لم يكن سهلا فقد جاء بعد مواجهة 'عائلية' بين روبرت وابنه جيمس، الوريث المحتمل والذي كان من المحبذين الاستمرار في مواصلة العملية، حسبما نقلت 'نيويورك تايمز' عن ثلاثة ممن كانوا حاضرين، ولكن مسؤول العمليات البارز في الشركةـ جيس كيري تجاوزه ولم يخبره الا بعد اتخاذ القرار. وتعتبر الصفقة لشراء 61 بالمئة من الاسهم الباقية من بي سكاي بي الاكبر في تاريخ 'نيوز كوربوريشين'.
ويرى شخص ان موافقة ميردوخ ربما جاءت تكتيكية كمحاولة لاسكات ناقديه والانتظار حتى تهدأ العاصفة، مما يعني ان التايكون العجوز (80 عاما) لا يعتقد ان الصفقة ماتت.
ويظل الامل هذا مرتبط بمدى تواصل الفضيحة فكل يوم يأتي باخبار سئية لجيمس ووالده، حيث تتفتح فصول المسرحية عن دراما جديدة وعقد اخرى. ويظل القرار اهانة لميردوخ من ناحية ومن ناحية اخرى كارثة علاقات عامة اضافة التى تراجع اسعار الاسهم للشركة في السوق المالي. ومن اجل الخروج من المأزق تقول 'نيويورك تايمز' ان هناك فكرتين تم طرحهما داخل الشركة 'نيوز كوربوريشين' وهي فصلها عن 'نيوز انترناشونال' بحيث تتحول الاخيرة الى شركة ، حيث ستقوم هذه بادارة ما تبقى من صحفها في بريطانيا مع صحفها في استراليا وامريكا بما فيها 'وول ستريت جورنال' و 'نيوريورك بوست'.
وتمثل الصحف التي تمثل نسبة 17 بالمئة من عائدات نيوز كوربوريشين. وستكون الاخيرة قادرة بعد الفصل على متابعة مناقصات اخرى من مثل بي سكاي بي. والهدف من هذا فان الشركة الام لن تكون مسؤولة عن تصرفات الصحافيين التابعين لها.
ويتوقع ان يعارض ميردوخ الفكرة، خاصة ان علاقته مع صحفه حول العالم عاطفية مع ان 'فوكس نيوز' في امريكا تعتبر مصدر قوته وتأثيره في السياسة الامريكية ومصدر ارباحه المهم.
ولا يستبعد المحللون ان تجبر الشركة على المضي في هذا الخيار لان ميردوخ خسر تأثيره السياسي والذي كان يعتبر صمام الامان لصحفه وعملياته الاعلامية في بريطانيا. وما سيعزز هذا الخيار هو استمرار الفضيحة التي لم تعد تؤثر فقط على سمعتها بل على الية عملها حيث اعلن يوم الاربعاء احد كبار محاميها الاستقالة من 'نيوز انترناشونال'.
وقد عمل توم كروني مستشارا قانونيا لها مدة 26 عاما. وكانت 'وول ستريت جورنال' قد اشارت الى ان 'نيوز كوربوريشين' تفكر ببيع بقية صحفها. وقالت ان الشركة بحثت فكرة ان كان هناك مشتر محتمل لما تبقى من صحفها 'التايمز، وصاندي تايمز، وصن'. وفي افتتاحيات الصحف البريطانية اكدت على ان تخلي ميردوخ يعتبر انتصارا للديمقراطية البريطانية حيث قالت 'اندبندنت' ان الفصل هذا اثبت ان كرامة المؤسسات البريطانية تظل فوق كل مناقصة كبيرة. وقالت ان ميردوخ قاتل حتى النهاية لكن انحنى، على الرغم من انه اتبع سياستين لابقاء امله في السيطرة على بي سكاي بي حية، حيث اغلق نيوز اوف ذا وورلد، ووعد انه حالة سيطر على الشركة ان لا يبيعها.
وتعتقد ان قرار اجباره من المؤسسة السياسية كان حكيما لانه من غير المعقول السماح له بتوسيع مصالحه المالية بعد التصرفات المقرفة من موظفي شركته وصحافييها. وهي وان اعترفت ان الاقتصاد البريطاني يعتبر الاكثر انفتاحا على الاستثمار الاجنبي الا ان هناك شيء مهم يجب ان يتذكره الجميع ويتذكره مردوخ ان من يملك عطاء اكبر في مناقصة لا يعني انه يملك الاقتصاد، وقرار بريطانيا يوم الاربعاء كان دليلا على قوة بريطانيا وديمقراطيتها. وتعتقد 'غارديان' انه قبل شهر لم يكن احد من السياسيين يحلم بتحدي مردوخ اما الان فجميعهم باتوا قادرين على تحديه، واعتبرت الصحيفة هذا الاسبوع اسبوعا ثوريا حدد فيه كاميرون معالم لجنتي تحقيق في ممارسات مجموعة مردوخ الاعلامية. وربطت بين الموقف وموجة من القرف الشعبي والغضب السياسي. وقالت ان اجبار مردوخ يعتبر انتصارا للشعبية- الشعب على شركة لا جذور لها في الارض البريطانية.
وترى ان العمال الذين دعموا مردوخ في السابق هم من انتقموا منه، حيث قرر اد ميليباند قطع علاقته مع نيوز انترناشونال ثم جاء خطاب براون الذي كان بمثابة الضربة القاسمة،حيث قدم براون نفسه كمحارب- فارس وقف امام تصرفات مردوخ، ومع ان العمال ليسوا مبرأين من علاقتهم مع التايكون الا ان براون كان يقف على ارض صلبة عندما تساءل عن قلة حكمة كاميرون بتعيينه اندي كولسون مديرا لمكتب اتصالاته ومستشاره الاعلامي.
وقالت ان العالم يتغير، سحر مردوخ ينقلب عليه، وصفقة بي سكاي بي في الهواء، فيما ستقود التحقيقات الى مستقبل مشترك ونظيف، اما كاميرون فسيحمل معه تاريخ العلاقة ولن يتخحلص من ماضيه كما قالت.