المشهد السوري في الساحة الأردنية: جبهات متعاكسة وخلايا مثقفين تنشط مرة ضد النظام وأخرى معه

يروي النائب الأردني الأسبق صلاح الزعبي عن أحد مشايخ قبيلة الزعبية في درعا السورية بعض مفاصل الحوار الذي دار بين الرئيس بشار الأسد ونحو 40 شخصية من قادة محافظة درعا وغيرها عند إنطلاق الشرارة الأولى للأحداث.

وحسب الرواية التي سمعتها 'القدس العربي' من شخصيات قلقة على الوضع في سورية رتب اللقاء مع الرئاسة للوفد الأهلي وتم إبلاغ أعضاء الوفد بأن ثلاث مداخلات منهم فقط هي المطلوبة على أن يصمت البقية.

دخل الرئيس بشار للإجتماع فإستمع للمداخلات الثلاث ولاحظ بأن الصمت أطبق على المجتمعين بعد ذلك فتسائل عن السبب وقيل له بأن الأوامر التحضيرية تقضي بثلاث مداخلات فقط.

حسب شهود العيان لم يعجب الأمر الرئيس السوري فأمر بخروج جميع المرافقين والشخصيات الأمنية والرسمية من الإجتماع وقال للمجتمعين: أريد أن أستمع منكم جميعا.

هذه الرواية يتناقلها قياديون أردنيون قلقون من مؤامرة مفترضة على سورية التي تواجه أزمة مصيرية بهدف التأشير على التفريق بين طبيعة وموقف الرئيس السوري الشاب وسعيه الجذري للإستماع والإصغاء وبين موقف أجهزته وبعض المؤسسات والشخصيات في النظام السوري.

وهذا التفريق قائم على أساس مقايسة علمية ومنهجية فالنظام السوري إرتكب أخطاء وبعض هذه الأخطاء فادحة والقمع في سورية حقيقة وواقع كما يلاحظ النائب الأردني الأسبق والنشط تيسير الشديفات لكن بالمقابل فان خطرا أهم يحيق بالأمة العربية إذا دخلت سورية في مأزق الإستهداف المنظم وثمة قناعات بأن سورية النظام والشعب معا مستهدفة فعلا من المشروع الصهيوني والمشروع الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي لا يمكن إغفاله عند التحليل والمراقبة.

ولا مجال وفقا للنشط الأردني الشيخ محمد الحديد لأي ثقة من أي نوع بالإصلاح عبر اللافتة الأمريكية فهو نمط خرب العراق ودمر مقدرات الشعب العراقي ومن الواضح أن سورية مستهدفة بنفس الطريقة وهذا تحديدا ما يثير ريبة الشعب الأردني والقلقون على مستقبل سورية مع مساندة تطلعات الشارع السوري للحرية والكرامة وحق التعبير وإنتقاد آليات القمع المبالغ فيها بالتعامل مع الأحداث.

أما بالنسبة للقيادي والسياسي المخضرم ممدوح العبادي فلا مجال لإظهار الرضا عن تصرفات النظام السوري وقوى الشد العكسي التي تعيق وتقمع الإصلاح والتعبير ولا مجال للموافقة تحت أي عنوان على تجاهل أحلام الشعب الشقيق بالرخاء والإستقرار والديمقراطية والحريات.

لكن بنفس القوة - يرى العبادي - لا مجال لأي إدعاء يتجاهل بعض الوقائع المحزنة فثمة قوى بأجندات تتحرك داخل السياق الشعبي السوري وثمة قوى تحاول إستغلال الموقف وثمة قوى إقليمية لها مصلحة بدخول سورية بالفوضى وفوق ذلك ثمة حيثيات مريبة حول وقائع التغطية الإعلامية التي تستهدف ركوب موجة الحراك السوري لخلق وقائع جديدة على الأرض بشكل يدفع المراقب للتساؤل: لماذا ولمصلحة من؟

لذلك يخشى الكثير من المثقفين الأردنيين إنفلاتا في سورية على النمط العراقي وهو إنفلات - لو حصل لا سمح ألله - سيؤذي الخاصرة الأردنية ولذلك شكل الحزبي البعثي العريق فؤاد دبور ورفاقه تجمعا شعبيا أردنيا يهدف لمساندة سورية ضد المؤامرة.

مقابل ذلك نشط نقابيون وحزبيون وإعلاميون وإسلاميون معا في تأسيس جبهة معاكسة تدعم 'ثورة الشعب السوري' ضد الطغيان وفكرة تحرك هذه الخلية بين المثقفين الأردنيين تنحصر في التنديد بنظرية المؤامرة التي تتصور بأن العقل العربي لا يتململ ولا يغير ولا يتغير وهي نظرية بائسة كما يقول الكاتب الصحافي والمحلل السياسي البارز موسى برهومة وهو ينتقد الذين لا يتخيلون بأن الدنيا تغيرت وبان العقل العربي قادر على الإيمان بالتغيير.

وفيما يخص سورية يؤكد برهومة عدم وجود أي إلتباس في موقف الشارع الأردني المتضامن كله مع الشعب السوري ضد التنكيل وضد من يزيلون حنجرة المنشد إبراهيم قاقوش ويعذبون الطفل محمد الخطيب مستغربا الإزدواجية عند بعض المثقفين المحليين الذين وقفوا مع الثورة في تونس ومصر واليمن لكن مصالحهم النفعية وإرتباطاتهم مع نظام بشار الأسد منعتهم من إتخاذ موقف مماثل مع الشعب السوري الشقيق.

ويعتبر برهومة قصة الممانعة والمؤامرة على الدولة السورية حجة فارغة تستخدم لتبرير أفعال غير أخلاقية.