أبو جنيب لا يمكن أن يكون ضفدع
أبو جنيب لا يمكن أن يكون ضفدع
تَعَوَّدَ البشر النظر للملوك كناس مختلفي الطراز ويلبسون زيا خاصاً بهم ويمشون ويتحركون حسب إتيكيت مرسوم لهم وفي مواكب مُجهزة وخاصة بهم لا لغيرهم وفي معظم الحالات هم من كبار السن لارتباط الحكمة بالملك أو الحاكم،... لكن يبدوا أن الملك عندنا طراز مُختلف وقد لاحظ الكثيرون ذلك منذ اليوم الأول لتوليه الحكم فهو شاب أربعيني عايش الكثير من المواقف السياسية والقرارات الصعبة في القصر وفي الدولة وعاصر كل قضايا الأمة من حزيران النكبة وحتى اليوم.
سافر وخَبرَ الحياة شابا في الغرب وفي بريطانيا بالذات والتي ربما تعلم منها السياسة ومن شعبها الوعي، وأكاد أجزم وأقول أن البريطانيين ونتيجة الخبرة بالسياسة والتاريخ والخبرة في أحوال وأمزجة معظم شعوب العالم الذين حكموهم تفوقوا في الوعي السياسي على الكثير من شعوب العالم، مع العلم أن الحكم البريطاني في معظم مستعمرات بريطانيا العظمى كان يجري بواسطة أشخاص وكلاء أذكياء طموحين ومغامرين صاروا أصحاب تاريخ وشركات عملاقة وصيت عالمي وليس قلوب باشا بغريب علينا بطباعه وذكائه ودهائه وكذلك لورنس العرب الملازم الشاب الذي أدار مرحلة كاملة من تاريخ العرب وبريطانيا رغم انه لم يكن الشخصية السياسية المهمة والمرموقة في بلده ولكن تاريخه وانجازاته ماثلة للعيان ولا تحتاج منا إلى بيان، ... كل ما سبق يجعلني اجزم بأن البريطانيين كشعب هم من أكثر الناس وعيا بأحوال العالم وهم أخوال الملك ويجعلنا نفترض أنه تعلم واكتسب منهم إما بسبب الاحتكاك بوالدته وبأخواله أو لأسباب جينية صرفه فهم أخواله وأمه الملكة منهم.
كل هذا والملك يرى كيف تُدار الأمور في العالم الحديث بشكل عام وفي أوروبا حاضنة الحضارة الحديثة بشكل خاص مما يجعلنا نتوقع أنه تشكل طموحا خاصا به عنوانه الانتقال بالأردن إلى مصاف الدول الحديثة وبمشاركة الناس والأجيال الشابة التي هي عنوان تطلعاته ومحرك الحداثة والتقدم في أية امة، لكن أية عملية إصلاح لا بد وأن تصطدم بمعوقات، والصراع بين القديم والجديد ماثل في تاريخ تطور الأمم والشعوب (إنجلز، ماركس، إيفناسف).
لقد فََهِمَت بعض النُخب الشابة (عُمريا فقط) وشخصيات نخبوية سياسية ومصلحيه هذا التوجه وسارعت إلى انتهاز الفرصة لحمل راية التغيير والإصلاح وقيادة مرحلة ليسوا هم الأصلح لها فلقد أدمن الكثير من هذه الشخصيات النفاق الاجتماعي والسياسي وأدمن الكثير منهم الجلوس في دكاكينهم السياسية والانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وبالعكس وبسهولة ودون أية خجل أو وجل، ومنهم شخصيات سياسية يساريه وقومية وإسلامية معارضون تدجنوا حسب مراحل النفاق السياسي وليس بعض كُتّاب الأعمدة وأعلام الصحافة ببعيدين عنهم وأكاد أُخفي أسماء من صاروا عناوين تقليعات تصلح بان تكون قارمات لبقالاتهم لا لمراحل سياسية وعلى سبيل المثال لا الحصر: الأردن أولا، الأردن أولا وثانيا، وأهل العزم، و و....والقائمة تطول وفي ظل إحجام وتقهقر شباب صادقين لأسباب موضوعيه إما لزهد البعض منهم وعدم الثقة بتوجه الإصلاح أو لعدم وجود طريق سالكة ومعبدة للاقتراب من مركز القرار وإما الاثنين معا، فأوجست هذه العينات من نظام الحكم خيفة مما أفسح المجال إلى المتزلفين من النخب الأولى وظهور طبقة النخب حملة المرقعات (الشهادات العليا) العائدة من الولايات المتحدة المتحمسين إلى تحويل الأردن إلى ولايات مُتحدة شرق أوسطية أردنية وبنظرة بعيدة عن واقع الأردن وأهله وإحباطات المرحلة المتعلقة بالداخل والخارج ودون الالتفات إلى الفرق بين الأردن وأمريكيا وبين نيوجرسي وذيبان،مما شكل فراغاً والطبيعة تكره الفراغ وقد أُستغل الفراغ بظهور دجالين سياسيين وقياديين كعناوين للمرحلة حيث تحالفت المصالح شيبا وشبانا، طارئ لبرالي جديد وتقليدي متمترس بالقدم والعراقة المزيفة والوجاهة المتهالكة على المنصب الحكومي فقادتنا كل هذه المجاميع وهذه النخب إلى ما وصلنا إليه من تردي الحال حتى استعصى الوصف وصار من المُحال.
كل هذه النخب المتسللة للمنصب الحكومي وكذلك إخوة لهم منتظرون لدورهم في طابور المتزلفين المتسولين المنصب وحتى لو تعارض السعي إليه مع أهم مبادئ الشرف والدين والحزب والعرف والأخلاق والعادات، فتم توظيف كل الإمكانات من علاقات فاسدة وحتى العشيرة وربما المال وأحياناً النساء في سبيل هذا المنصب المُتحالف مع رأس المال والطريق المُعَبِد لجلب المال الفاسد والمال يفتح الطريق للمنصب في حلقة دائرية (مال – منصب - مال) أدخلت البلد في دوامة النفاق والكذب وعلى قاعدة نافق نافق ثم نافق واكذب حتى تُصدق نفسك والكذب ملح الرجال وعيب على الذي يصدق!.
أسوأ ما تم اكتشافه من قِبل هؤلاء النخب أنه إذا أردت أن تُصبح شيئاً مُهما في وطن الأردنيين من شتى منابتهم وأصولهم فما عليك إلا أن تُظهر صداقتك للصهاينة وانك لهم ودود حميم فتجاوزوا في نفاقهم الدوار الرابع وحتى القصر إلى الرابية وعبدون مروراً بالجندويل معتقدين بل متيقنين من أن الأردن لا يُدار من عمان، فصار حملهم وهناً على وهن وتخطى مرحلة الحمل الوهم فكان (كشفاً كما تقول العرب خلقاً مشوهاً جاء من سفاح) فتسابق المتسابقون في خدمة الصهاينة وتخطت اتفاقية وادي عربة بذلك عتبة اتفاقية بين دولتين إلى اتفاقية تابع ومتبوع ونهج صاغ مُعظم مفاصل حياتنا وأتى على كل مقدراتنا فيما يُسمى بالخصخصة كرديف لمُصطلح (لصلصه) وسد منيع يمنع العبور من حالة الانحطاط إلى الإصلاح فالخطر من الإصلاح ماثل وظاهر على مصير هذه الاتفاقية ولذلك مانع أصحاب القرار من الانصياع لنداء الشعب والضمير مستمدين قوة ممانعتهم من السند الخارجي الصهيوأمريكي الذي ما توانى يوما في التخلي عن أصدقائه مع أول هزة غربال وليس مصر وتونس واليمن عنا ببعيدة فثقافة المُستعمر هي ثقافة انجلوسكسونية والانجليز يقتلون خيولهم حينما تهرم.
لقد رأينا وما زلنا نرى الفساد الوقح في جميع مفاصل إدارات الدولة وعلى العكس من الحكمة القائلة: ( إذا بُليتم فاستتروا) صارت البلوى على رؤوس الأشهاد بل تسارع النظام الإداري والاجتماعي في تبرئة اللصوص ودرجت ثقافة الشُطار وصار اسم رئيس أي حكومة هو ( الشاطر حسن) وما أسماء أصحاب الدولة والمعالي و..... إلا معنى واحد للشاطر حسن في معنى غلب الاصطلاح الجذر حيث أن مفهوم الشُطار قديما يعني قُطاع الطُرق واللصوص ولكن الوعي العربي المشوه شوه حتى لغة العروبة والتي تَنزَل بِها القرآن، وكما زُورت كل المفاهيم زُور القرار السياسي والإداري وحتى الاجتماعي ليصير المجتمع مقلوب الموازين الحاضنة الرئيسية للفساد والنفاق وزُورت الانتخابات إلى مستوى أن الباشا المحافظ وحتى المتصرف وربما قايد المخفر هو الذي يُعين النواب بفرمان يسبق العملية الانتخابية برمتها وربما قانون الانتخاب العُرفي المؤقت، وتلخيص وصفاً لما عانينا ونُعاني وما وصلت إليه الأمور وأسبابها في مقالة واحدة ضرباً من الجنون لكننا وصلنا إلى مرحلة ما بعد الشهيد بوعزيزي.
وجاء دور الثوار المناضلين وحملة راية التغيير اغتناما للفرصة التاريخية ومحاولة ركوب الموجة فأُحبط مسعاهم منذ بدايات الحركة لأسباب معروفة منها أن الشارع لا يثق بالنخبوي المثقف والسياسي والحزبي بسبب أنهم أعطوا مفهوماً مقلوباً للنضال طيلة تاريخ الأردن مع وجود بعض الاستثناءات هنا وهناك ولكنها عديمة التأثير وفاقدة لعنصري المبادرة والتواصل مع القواعد، فانبرى قانصو الفرص بطريقة انتهازية والانتهازية أخطر أنواع الفساد وأكثر مسببات الإحباط لدى الناس مع ملاحظة الفرق بين شرعية اغتنام الفرصة وخطيئة الانتهازية، فارتكبت النخب وبحمق خطيئة إجهاض وإحباط حركة الشارع والحمق داءٌ ما له دواء فكانت بهذا حليفة لما يُسمى قوى الشد العكسي أو جزء منها ولقب معالي قريب جداً من مُسمى مُناضل وفي معاجم الأردنيين المعنى واحد.
لقد ضاع الناس بين فساد الدولة وبين فشل النخب والأحزاب في قيادة التغيير نحو الإصلاح مما أنجز حالة يأس شعبي واحتقان ينتظر ظرفا موضوعياً وربما خطأً يكون الصاعق ليُعبر عن مدى الضغط العمودي والأفقي التي يعانيهما المواطن البسيط والنصف نخبوي لينطلق في حالة تعبيرية عفوية في غفلة من الدولة وغيبوبة النخب أو موتهم ألسريري منذ هبة نيسان المجيدة وحتى اليوم.
إن هكذا نخب وقيادات حراكات شعبية وأحزاب لا يُمكن أن تُنجز حتى المُنجَز و( أبو جنيب لا يُمكن أن يكون ضفدع ) وفي هذا أقتباس من صديقي الدكتور بسام الهلول فهو أفصح مني لساناً وردءاً يُصَدقني حين أخاف أن يكذبون وأشركه في أمري وأشدد به أزري وعضدي وبه يكون لنا سلطانا فلا يصلون.
المهم أن أبو جنيب ومهما اشترك مع الضفدع في الماء واليابسة وفي صوته ونقيقه وفي مغازلة الشريك وفي ترصد الفريسة ليلاً فأنه لا يستطيع أن يأتي بقفزةٍ إلى الأمام كالضفدع وإنما على الدوام يتحرك إلى الجنب.
وعوداً على ما افتتحنا به مقالنا وفي خضم هذه (الحوسة) يبقى الشعب مع النظام وجها لوجه في حالة غياب الثقة بالنخب الموالية والمُعارضة معاً في مشهد غريب لم يسبق له مثيل في تاريخ الأمم وعلى المستوى البسيط يبرز سؤال : أين الملك؟.... أين الملك الشاب الواعي المُثقف الذي يعلم ويقرأ التقارير الداخلية والخارجية عن الأردن وما يدور فيه وحتى ما يهمسون؟ أين الملك والكثير ممن يتزعمون المشهد على استعداد لتقديم خدماتهم للعدو الخارجي أكثر مما قدم المقدمون؟ أين الملك والكل يعلم أن اللجان المُشكلة لصياغة قانون انتخاب مُقترح ولجنة تجميل الدستور واللجنة الاقتصادية لن تُغني ولن تُسمن من جوع ؟ أين الملك ودستورنا المُعَدل بالكثير من بنوده - بقوانين مؤقتة وببرلمانات جاءت بموجب قوانين مؤقتة - مضى على عمره حوالي الستين عاما هي أعمار أمتي حيث في عام الثاني والخمسين للقرن الماضي حينما كانت ترد رسالة لأحدهم في محافظة الكرك كان يقطع القفار والأمصار حتى يعثر على من يفك طلاسم المكتوب؟ أين الملك والآن في كل بيت تقريبا من بيوت الأردنيين عُصبة من حملة الشهادات الجامعية والعليا لا يجدون ما يعملون به لسد قوت يومهم؟ أين الملك من المسافة بين الثاني والخمسين من القرن الماضي والحادي عشر من القرن الحالي؟ أين الملك من رئيس حكومته الذي يعتقد رجماً بالغيب أن الأردنيين لا يستحقون حكومة منتخبة برلمانياً إلا بعد ثلاثين عاماً وبعد أن يستفيق فتية الرقيم وسابعهم كلبهم بأذن الله؟ أين الملك من المسافة بين ثورة الاتصالات الانترنت والخلوي وتلفون أبو ذراع في الخمسينات حينما صاغوا لنا الدستور؟ أين الملك من شعبه الذي لم يُستشار ولم يُستفتى حول العقد الذي بينه وبينهم ألا وهو الدستور؟ أين الملك والحكومات الفاسدة والمتسلقين والمفسدين قد ملئوا البلاد جوراً وزورا؟ أين الملك من المحاكم الاستثنائية ومحكمة أمن الدولة وحق الأردنيين بقضاء مُستقل منتخب نزيه؟ أين الملك من مجلس أعيان يأتي بشكله المُعيين على أي قرار ديمقراطي ويُشغل حيز الثلث المُعَطِل؟ أين الملك من عقوبة إطالة اللسان التي يقضي البعض بموجبها ثلاث سنين عددا في غيابة الجب أو كما يعدون لأنه انتقد فقدح مقامات عُليا ومن سب الذات الإلهية يدفع غرامة عشرة دنانير ويعود لأهله وأطفاله مُعززاً مكرما؟ أين الملك وحقوق الإنسان والفرد والمجتمع والشعب والحرية في القول والممارسة؟ أين الملك من قول الله سبحانه وتعالى حينما اختص نفسه فقط بالآية : بعد بسم الله الرحمن الرحيم (لا يُسئل عما يفعل وهم يُسئلون )؟.
د. م حكمت القطاونه hekmatqat@yahoo.com tel:0795482538