أبناء القلعة المسلسل الفاشل الجميل


كل مرّة أريد الكتابة فيها عن مسلسل «أبناء القلعة» خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة أؤجل الأمر وأقول لنفسي: تأخرْ قليلاً كي ترى مزيداً من الحلقات ويكون حكمك أكثر نضوجاً.. والآن وبعد أن اقتربت الحلقات التي تم عرضها من الثلث تقريباً (أكتب بعد مشاهدة الحلقة 19 من مجموع 60 حلقة كما أعلم).. فإنني أستطيع التبجّح قليلاً بأنني أستطيع أن أنقل رأياً للقراء ولا أُلزم أحداً فيه فالناس أذواق وأنا أحترم ذائقة الآخرين مهما علت وهبطت.
بلا شكّ بأن هناك جهداً جباراً مبذولا في المسلسل؛ وأن هناك محاولة حقيقية للخروج بمسلسل عظيم يعيد الدراما الأردنية إلى سكّة قطارها.. ولا شكّ أيضاً أن فريق الممثلين من كبيرهم ونجومهم إلى صغيرهم ووجوههم الجديدة؛ حاولت أن تتقن وتقنع.. بعضها نجح وعدّى وبعضها الآخر ظلّ على مستواه بلا زيادة ولا نقصان.. وبعضها الاخير كان خشبيّاً أمام الكاميرا؛ محنّط الوجه كأنه مومياء تتحرك منه الشفتان لضرورات إخراج الصوت فقط، مسلسل عظيم بلا شكّ..يستند إلى رواية عظيمة (أبناء القلعة) لروائي عظيم (زياد القاسم)..تتحدث الرواية عن عمّان وكيف تشكّلت من نهاية الأربعينات مروراً بالخمسينات ؛ وقوفاً عند سنة السبعة وستين..! وكما قرأتُ الرواية بشغف حين أخرجها إلى النور الدكتور ممدوح العبادي حين كان أمين عمّان وحامي ثقافتها؛ كذلك انتظرت المسلسل بشغف أكبر.. مع أن يدي كانت على قلبي لأن لي تجارب سابقة ومحبطة في كيفية تحويل نص جميل إلى خراب درامي لا شأن للعمل بالمكتوب...! ولكن بعد أن علمت أن ميزانية ضخمة خصصت للعمل؛ قلتُ لعلّ وعسى.
عمّان الحاضرة في الرواية؛ غائبة عن المسلسل .. والذي حضر بالمسلسل هو بعض البيوت في جبل القلعة التي لا تمثّل كل عمّان ولا كلّ القلعة وإن كان جزءاً منهما ...! للأسف أحياناً تمشي الأحداث بارتباك.. حتى تتخيل أنك أمام مشاهد مجزوءة ضاع منها التمهيد لها.. يتكلمون أحياناً عن أشياء غامضة ويفترضون بالمشاهد العربي وحتى الأردني أنها تحصيل حاصل ويعرفها.. أما الحوار في المسلسل فحدّث ولا حرج.. ركيك وعندما أقول: ركيك فأنا أعنيه تماماً وقد فاجأني المبدع محمد البطوش بهذا الحوار وأنا الذي اتابعه وأعلم عن بلاغته في قيادة الحوارات ولا أعلم عن الظروف المحيطة به وهو يكتب معالجته للرواية. ولكن شعوري وأنا استمع بتركيز لكثير من الحوارات في المشاهد وكأن هناك من يقوم ويصفعني وإني لأشك بأن الحوارات ملعوب بها وملتعن أبو أبوها الأولاني.
بعض المشاهد كان فيها مشكلة بالصوت خصوصاً في الحلقات الأولى عند عائلة منعش مثالاً لا حصراً.. اللوكيشنات ضيّقة ولم يوسّعوا على أنفسهم وكأنهم لا يريدون مساحات أوسع خارج سيطرة زمن الحكاية مما تسبب بضيق عند المتابعة.
أتمنى أن تكون باقي الحلقات الكثيرة على غير ما هو الآن.. فرغم ملاحظاتي القاسية إلا إنني اتابعه وسأتابعه بشغف.. لأنه يشكّل لي حنيناً حقيقياً؛ المسلسل يعطيني المفتاح وأنا أكمل باقي الحنين من عندياتي..! الجهد المبذول كبير ويستحق الثناء..ومن الممكن البناء على هذا الإنجاز ..كل التحية لفريق المسلسل فهذا المسلسل يستحق لقب (الفاشل الجميل).