علي السنيد يكتب : قبل إصلاح النظام علينا إصلاح أنفسنا

 

 

حدثني احد رؤساء الوزارات السابقين أن شخصية سياسية معارضة كانت  قد شنت هجوما لاذعا عليه إبان تشكيل حكومته من خلال كتابة سلسلة من المقالات التي نزعت نحو التشهير به ، وان وسيطا طلب أن يتاح المجال لهذه الشخصية بمقابلته، وقد استجاب لهذا الطلب ورتب له موعدا في الرئاسة، وقال حال حضوره إلى مكتبي اخذ يشكو من عدم قدرته على تدريس احد أنجاله في الجامعة، والتمس مني عرض حاله على الملك عبدالله، ويضيف بأن جلالة الملك أمر بمساعدته بمبلغ 20 الف دينار، وبذلك انتهت تلك الحملة الشرسة التي كان شرع بها هذا المعارض على الحكومة مدعيا أن أهدافه خدمة الشعب، وقضاياه العادلة.  إلى هنا انتهت القصة المنقولة عن رئيس الوزراء السابق. أما ما يدعو للحزن حقا فهو أن هذه الشخصية تتقدم الصفوف اليوم ، وتقود دفة النضال من خلال ما يسمى بتيار 36 ، وتشن هجوما كاسحا يخرق كل السقوف، وقد استمدت العزم من تداعيات هذه المرحلة الإقليمية الخطرة، والقصة أعلاه قد تؤشر إلى دوافع كثيرين ممن ركبوا موجة الإصلاحات بهدف الحصول على المكاسب.

والى ذلك فلا يخفى السلوك الاستعلائي الذي تتمتع به قيادات هذه المرحلة أيضا من الذين أناطوا بأنفسهم مهمة تحرير الشعب، وصون كرامته، وجلب العدالة له، فأحد القيادات الشابة من حركة 24 آذار يرمي ميكرفون التلفزيون الأردني على الأرض أثناء تغطيته إلى جانب وسائل إعلام أخرى داخلية وخارجية لمؤتمر صحفي خاص بالحركة، ولم يشعر بحجم الاهانة التي وجهها للشعب الأردني عندما يطرد تلفزيون البلد – بغض النظر عن موقفنا منه- من مؤتمر صحفي تغطيه فضائيات ووسائل إعلام خارجية، وهذا يعطي انطباعا أوليا على حال حرية التعبير فيما لو تمكنت مثل هذه النوعيات من الوصول للسلطة. فضلا عن أن قيادة شابة تقول في معرض نقاشات تمهيدية لعقد مؤتمر صحفي لما يسمى بالقوى الشبابية والإصلاحية وذلك بحضور الكثيرين " نحاول أن نرتب موعد عقد المؤتمر بما يناسب وقت الصحفيين الهمل" وهو ما يؤكد احترامهم لحرية التعبير، والصحافة.

أما في مجال الحريات العامة فقد شاهدت بنفسي إسلاميين من جبهة العمل الإسلامي يفترشون الشارع الرئيسي عنوة بعد انتهاء صلاة الجمعة في وسط إحدى المدن، ويوقفون سيارتهم التي تحمل أجهزة الصوت، ويشرعون بإلقاء الخطب بالجمهور الخارج للتو من الصلاة، ويتطوع أربعة من شبابهم - مفتولي العضلات-  بالوقوف على مقدمة الشارع، ويعمدون إلى تحويل السير، حيث نزعوا إلى عمل الفعالية التي حجزت المكان والحضور بحكم الأمر الواقع، وأصبح المواطن يخضع لتعليمات مواطن آخر بعدم المرور بمركبته من الشارع الرئيسي الذي يصل وسط المدينة، وقد استولى الإسلاميون على الشارع العام، واخذ بعض شبابهم مهمة رجال السير في إجبار المواطنين على تحويل السير إلى شارع آخر في المنطقة، ولا ادري ما رأي هؤلاء لو وقفت مجموعة من المواطنين وقطعت عليهم الطريق، وطلبت منهم تغير مسارهم بطريقة إجبارية، وهل يجدون هذا من روح الإسلام، وماذا لو وصلت السلطة إلى أيدي مثل هذه النفوس فكيف يتصرفون آنذاك إذا كان هذا بعض سلوكهم، وهم ما يزالون مواطنين عاديين.

وكان سائق تكسي اقلني من الدوار السابع إلى الداخلية اخبرني عن فعالية أقامها حزب جبهة العمل الإسلامي قريبا من مكان سكناه، وقرر حضورها، مضيفا انه حال دخوله إلى المكان، وإذ بمجموعة شباب تقوم بدفعه بحركة استعراضية، وتعمل على فتح الطريق، وعندما أبدى استغرابه من هذه التصرفات اخبروه أن فضيلة المراقب العام على وصول!!!.

وأنا بدوري لم استغرب ما سمعته فاذكر أنني سبق، ودعيت لحضور حفل أقامته جمعية العفاف الخيرية، وساءني مشهد مجموعة من الشباب تشبك أيديها ببعضها البعض، وتعمل دائرة على عدد من الكراسي في المقدمة، وهي تضم كراسي أصحاب الفضيلة والسماحة، الذين لا يبدون انزعاجهم من هذا المشهد الذي ربما لا يتكرر سوى مع الملوك والزعماء العرب من خلال حرسهم. وهو ذاته المشهد يتكرر لعدة أفراد من حركة 24  عندما دخلوا إلى مجمع النقابات المهنية مدججين بالحرس الشخصي الذي أحاطهم من كل جهة، وكانوا يقومون بحركات استعراضية تدل على أهمية الأشخاص الذين يشكلون دائرة عليهم.

وفي وسيلة الإعلام الخاصة ببعض الجهات الإسلامية التي تحتكر المطالبة بالديمقراطية يستحيل أن يفسح المجال للأخر كي يبدي رأيه من خلالها، وأنا لي تجربة شخصية مع هذه الجهات التي تحتكر الحقيقة، وتغيب الرأي الأخر. فكيف بها إذا امتلكت دفة القرار. وهم لا يحتكرون الحقيقة فقط، وإنما يحتكرون العمل الخيري ، وتجد الجمعيات الخيرية الخاصة بهم موجهة للفقراء الذين يصوتون لمرشحي الحزب ، أو قائمة فقراء أعضاء التنظيم، وغير ذلك فالفقر بحد ذاته ليس مبررا للعمل الخيري.

ويطالبون برفع مستوى المعيشة، ويصفون الدولة بالظلم في سلم الرواتب، وفي مؤسساتهم التعليمية الخاصة لا يزيد راتب المعلمة عن 150 دينارا، وبعضهن يتقاضين 80 دينارا ، ويحتكرون التوظيف في مواقع الإدارة في بعض المؤسسات العائدة للتنظيم برواتب بآلاف، ولا يتعاملون مع الأردنيين بسواسية، وهذه المطالب فقط يريدونها من الدولة.

وهذه الجماعات التي تحتكر العمل الإسلامي تقع على عاتقها كافة قصص حرق الشخصيات العامة في الأردن سواء في المعارضة أو في السلطة فهي لا يسلم منها احد، ولا تتورع عن الاتهام، والتشكيك بالنوايا، وتعتبر من يخالفها في وجهة نظرها عميلا للأجهزة الأمنية، ويتناسون كل الآيات الكريمة التي تنهى عن اتهام الناس بالباطل.

ولذلك لن تستطيع هذه القوى التي اندفعت إلى مقدمة الحراك الشعبي في هذه المرحلة أن تقود الشارع الذي بلغ قمة المعاناة سياسيا عدة خطوات إلى الأمام لافتقادها لأبسط سمات القيادة الشعبية، ولافتقارها إلى مقومات حمل  لواء الإصلاح، وهي لن تستطيع خداع الناس طويلا فمن يريد أن يقود عليه أن يبرز سجله النضالي، وان يكون على خلق عظيم، وأن يقدم الرؤية البديلة التي تؤهله للتغيير.

وربما أن هذا ما يجيب عن التساؤل لماذا  تخلف الشعب عن السير خلف هذه القيادات الجاهزة، رغم انه يمتلك قضية عادلة، وقد استشرى الفساد واكل الأخضر واليابس في الدولة، ولديه مطالب حقة في الوصول إلى حقوقه في وطنه وهي تبحث عمن يستحق أن توضع مسؤولية حملها على عاتقه.

إن هؤلاء الذين يتصدرون المشهد اليوم لا مكان لهم في قائمة النضال، ولم يدفعوا ثمن الحريات، وجلهم لم يقض ليلة في السجن، وكانوا في تحالف بين مع السلطة، وكانوا يتخلون عن المناضلين أيام تحالفهم مع الحكومات، وان نظرة بأثر رجعي إلى تاريخهم تظهر حقيقة مواقفهم السياسية في كل المراحل القاسية التي واجهها الشعب الأردني، ولا يحق لهم اليوم احتكار مطالب المعارضة في الأردن، وعلى بقية القوى أن تفشل محاولة هيمنتهم على الشارع.

ويظل الشعب الأردني يتابع قضاياه العادلة بنفسه، ويواجه الفساد، ويطالب بتحويل الفاسدين إلى القضاء، واستعادة أموال الشعب المنهوبة والشروع بعملية سياسية تعتمد الأصول الشعبية في الحكم، ولن يعمل لهم جسرا كي يقفزوا على السلطة مهما كانت شعاراتهم براقة، خاصة وان الأجواء الراهنة يمكن وصفها بالمثالية لصناعة دكتاتورية باسم الشعب.