مغامرة تركيا في سورية



يخوض الجيش التركي معارك عنيفة في شمال سورية ضد وحدات الشعب الكردية التي تتهمها تركيا بأنها جماعة إرهابية. لقد جاء الهجوم الكردي على شمال سورية بعد أسبوعين تقريباً من إعلان الشروع في تشكيل قوة حرس حدود من ثلاثين ألفاً غالبيتهم من الأكراد. والسبب المعلن لتشكيل هذه القوة، هو حماية الحدود الشمالية والشرقية من تنظيم "داعش" ومنعه من العودة للمناطق التي تم تحريرها منه. الهجوم التركي يأتي تحدياً للقرار الأميركي بتشكيل هذه القوة وبسط سيطرتها على أجزاء ومناطق جديدة. تركيا تتهم الولايات المتحدة، الحليف في حلف "الناتو"، بأنها بتشكيل هذه القوة؛ إنما تريد بسط نفوذها في شمال سورية، ومن ثم تقسيم سورية وتهديد الأمن القومي التركي.
الموقف الأميركي إلى الآن لم يتجاوز الطلب من تركيا ضبط النفس، وتجنب إيذاء المدنيين، ولكن عملية نزوح المدنيين بدأت منذ أيام، وقد وصلت للآلاف من الأسر. أعلنت تركيا أنها بعد السيطرة على عفرين والمناطق المحيطة بها، ستتوجه الى منطقة منبج التي فيها تواجد عسكري أميركي سيرفع منسوب التوتر بين تركيا والولايات المتحدة، وسيضع القوات الأميركية أمام خيارين لا ثالث لهما: الخيار الأول: هو الانسحاب من مناطق تواجدهم، وعدم التدخل بالصراع العسكري في تلك المنطقة، والذي إن حدث، فستكون له أبعاد كارثية من منظور علاقتهم مع الأكراد؛ إذ تتهم الولايات المتحدة أنها استغلتهم في حربها على "داعش" والآن تتخلى عنهم تباعاً تاركة القوى الإقليمية للانفراد بهم في ضوء ما حصل في كردستان العراق، ويحصل حالياً في شمال سورية. إضافة لذلك، فقد يشكل ذلك ضربة للمصالح الأميركية في سورية، والتي تتبنى استراتيجية واضحة للوجود العسكري بهذه المناطق. الخيار الثاني: هو الدفاع عن المناطق الكردية التي يتواجد بها الجيش الأميركي، ومن ثم المخاطرة بالدخول في مواجهة مع القوات التركية، أو على الأقل أن توفر للأكراد الحماية من الهجمات الجوية، ودعمهم عسكرياً في حال دخلت القوات التركية مدينة منبج.
في ضوء ذلك، فليس من المتوقع أن تقوم القوات التركية بالزحف الى منبج، تفادياً للمخاطر التي يمكن أن تنتج عن مغامرة كهذه، وبخاصة احتمالية الدخول بمواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة. الأرجح أن تركيا تريد بسط سيطرتها ونفوذها على منطقة غرب الفرات ومنطقة عفرين خاصة، وذلك لتوسيع سيطرتها على مناطق في شمال سورية، سيما وأنه من الرجح أن تخسر سيطرتها ونفوذها على المناطق التي تسيطر عليها في إدلب، إذا ما استمر هجوم الجيش السوري على المناطق التي تسيطر عليها "جبهة النصرة" والمنظمات المتشددة الأخرى؛ إذ لا تستطيع مواجهة الجيش السوري وحلفائه في تلك المناطق.
أما بالنسبة للموقف الروسي والذي سحب مراقبيه من منطقة خفض التوتر هذه، فالبرغم من أن روسيا لم تعلن دعمها للعملية التركية؛ إلاّ أنها تضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، وهي فرصة أكبر، إن لم يكن ضمان مشاركة تركيا في "مؤتمر سوتشي" الذي لوّحت بمقاطعته لأسباب عدة، وتمنح الأكراد فرصة المشاركة بهذا المؤتمر بعد الخسائر التي تكبدوها، وما يزالون، جراء المواجهة مع الجيش التركي، وذلك لضمان حقوقهم بالمستقبل؛ إذ إنه بات من الواضح أن الولايات المتحدة استخدمت الأكراد كورقة رابحة في محاربة "داعش" والتي قد يستنتج منها أن الولايات المتحدة حليف لا يمكن الاعتماد عليه على المستوى الاستراتيجي للأكراد. وثانياً، فإن دخول الجيش التركي الى المناطق الكردية سوف يزيد من التوتر بين تركيا والولايات المتحدة التي تتهمها روسيا بأنها تعمل على تقسيم سورية، وهذا يصب في مصلحة روسيا أيضاً. المغامرة التركية ضد الأكراد في شمال سورية مغامرة محسوبة، إذا بقيت في حدود مناطق غرب الفرات، ولكنها إذا تجازوت تلك للمناطق التي يتواجد بها الجنود الأميركيون، فقد تكون لها عواقب وخيمة على تركيا. ولكن من الأرجح أن تركيا سوف تتجنب ذلك، وتعظم مكاسبها في شمال سورية بالاستيلاء على مزيد من الأراضي. اليوم قال الرئيس التركي إن جيشه سيبقى في سورية حتى عودة (3.5) مليون لاجئ سوري، وهذا يعني أن الوجود التركي سيكون وجوداً دائماً. وعليه فإنها تساهم هي أيضاً وليس الأميركان في تقسيم سورية.