عن حزب التحالف المدني (1-2)


لن يكون حزب التحالف المدني بديلا عن أي حزب، ولن يحل محل أي حزب وخاصة حزب جبهة العمل الإسلامي، فاعضاء «العمل» لن يكونوا أعضاء في «التحالف» حتى لو قعدوا بلا حزب كل العمر، وأعضاء التحالف لم يقيدوا في «العمل» ولم «يهفهم» التحالف من العمل حين كانوا بلا حزب ولا الان وهم أعضاء فيه، وهذه التبادلية تنطبق على الكثير من الأحزاب.
لقد قوبل حزب التحالف بما هو متوقع وليس اكثر مما هو متوقع، تعددت الاستقبالات بين مُكفِّر ومُحذّر ومُشكك ورافض ومُتّهِمٍ من جهة وبين مُصطهج ومبشر ومرحب ومنتسب ومؤيد.
ومعلوم ان «الزمن» عنصر بنيوي من عناصر تأسيس الأحزاب ومتطلباتها الأساسية وقد حدد المفكرون والمنظرون السياسيون البارزون شرطا لتأسيس الأحزاب السياسية هو مدة لا تقل عن عشر سنوات، بالاضافة الى الجهد المضني العلمي المتواصل كشرط لبناء حزب قابل للاستمرار، وقد استمعت شخصيا الى رأي الاستاذ الكبير نايف حواتمة في جلسة حوارية في بيتي عام 1991 ذكر فيه هذا الزمن.
ذلك لان الحزب، الذي هو تنظيم الجهود، هو تخلي أعضائه طوعا عن جزء من حرياتهم واراداتهم ليبنوا منها إرادة الحزب التي تمكنه من الحضور والتقرير في المسائل التي تحتاج الى حضوره ورأيه وفعله.
لا خلاف على ان الامال المعلقة على الأحزاب السياسية تزداد كلما واجهت وطنها التحديات الكبرى وازداد حضورها قوة وتاثيرا.
وبعد العدوان الثلاثيني على العراق وحصار شعبه العظيم استمع الذين شاركوا في المؤتمر القومي لدعم العراق من الرئيس الراحل صدام حسين الى تحليله لاسباب نجاح العدوان ومن ضمن ذلك ضعف الأحزاب العربية التي سمّاها «الحلقات الحزبية في الوطن العربي» للدلالة على أهمية الحزب في حياة الوطن.
وقد اعلنا «الحزب الوطني الديمقراطي الأردني» الدستوري الحداثي التقدمي في مطلع التسعينات فقوبل بحفاوة واسعة في مختلف المحافظات ومن مختلف الشخصيات السياسية حتى ان الملك الحسين انتبه له وبارك لنا تأسيسه وكرّمنا اذ التقينا به في عشاء خاص في منزل السيدة ليلى شرف ضم: الملك والملكة والأمير زيد بن شاكر والسيدة ام شاكر والسيدة ليلى شرف والمؤسسين الأربعة: المهندس زياد مطارنة والمحامي احمد الهباهبة والمهندس سمير حباشنة وانا.
وقد ضم ذلك الحزب العديد من الشخصيات السياسية والثقافية الوازنة أمثال مؤنس الرزاز ومازن الساكت ومحمد البشير ومحمد القيسي والممثل البارز محمد العبادي والكاتب بشير الهواري وهدى فاخوري ومنذر مكاحلة وشفيق عبيدات وموسى الازرعي والمخرج موفق الرهايفة وسامي المصري وعشرات الشباب النقي المتحمس، لكن تلك التجربة الثمينة آلت الى نهايتها المحتومة لسببين هما:
الأول/ حرب قوى الشد الخلفي المبثوثة في كل المرافق والمؤسسات والأجهزة والأحزاب والمنظمات والاعلام والثقافة.
الثاني/ تسلل اليه وتسلّق عليه العديد من «الفلول» الذين حملوا معهم ايدولوجياتهم وفرديتهم وعصابهم، فتحول من حزب وطني الى حزب قومي الى حزب يساري الى تحالف الى جبهة الى تيار الى الفشل.
واذا كان حزب التحالف المدني لن يحل محل احد فانه يسد فراغا واضحا ويلبي حرصا بارزا على التحزب والتجمع لدى شباب الجيل الجديد الذي يخشى من التطرف والغلو والتشدد والاقصاء ويبحث عن الحداثة والعدالة والمساواة.
سيمر هذا الحزب، المرور الحتمي والطبيعي بالمنعطفات والمنزلقات والمنحدرات وسيواجه شأن غيره التحديات والانشقاقات والحرد والانوية والايدولوجيا القديمة والاهم تعذّر الاتفاق بين البرجوازية الوطنية والفئات الأخرى على البرنامج الاقتصادي الاجتماعي الذي سيكون حاسما وفاصلا ومؤثرا.
لن اقف امام الأسئلة الصعبة الكثيرة التي على الحزب ان يحلها وابرزها استحالة الجمع ناهيك عن الدمج بين الحزب والتحالف وهي مسألة نظرية تطبيقية ابرز من يفقهها الصديق جميل النمري.
الأسئلة والتوقعات والتنبهات والمخاوف كلها تنطلق من الحرص على نجاح هذه التجربة، التي لست طرفا فيها- التي يقوم عليها قيادات إصلاحية حقيقية محترمة، وانا هنا اتحدث عن تجربة ومعرفة بهذه القيادات.
فقد جمعني بمروان المعشر عمل طويل مشترك في حكومتين هما حكومة عبد الكريم الكباريتي عام 1996 وحكومة فيصل الفايز عام 2003، عرفته خلالهما اصلاحيا حقيقيا بلا اجندات شخصية وصاحب رأي وطني يفصح عنه ويعمل له ولا يخشى في قوله لومة لائم في أحلك الظروف.
حين توليت وزارة التنمية السياسية في حكومة فيصل الفايز عام 2003 قدم لي مروان المعشر دعما كاملا ونصحا ثمينا واسنادا حقيقيا، وتعرضت مع مروان الى حرب ظالمة ضارية وضيعة لم تتوقف الا باقصائي واخراجي بالتعديل الباهت المكشوف واقصاء مروان عن وزارة الخارجية.
اثق بالاسماء التي تقف وراء حزب التحالف المدني مروان المعشر وجميل النمري وقيس زيادين واسجل خشيتي على ذواتهم النبيلة لانهم ارتقوا مرتقى صعبا قاسيا شاهقا وهذا شأن يستحق الاحترام والتقدير.