هل انطلقَت رحلة «التطبيع»... بين بغداد وإربيل؟

ليس صدفة هبوط نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة كردستان العراق في بغداد... فجأة, وبعد اربعة اشهر من اندلاع ازمة الاستفتاء الذي تم في 25 ايلول الماضي، ليجتمع «لأول مرة» مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي ما يزال منتشياً بالنصر الذي احرزه ضد زعيم الإقليم السابق مسعود بارزاني, معيدا الامور الى ما قبل الثاني عشر من حزيران 2014 وسائرا على طريق إعادة الاقليم الى حدوده السابقة, التي كان عليها في العام 2003 وهو عام الاحتلال الاميركي، في الوقت نفسه الذي يسعى فيه لاستثمار «الإنتصارَيْن».. الاول في كردستان والثاني ضد تنظيم داعش، في الانتخابات البرلمانية والحكم المحلي التي ستجري في الثاني عشر من ايار القريب, عبر كتلة انتخابية مماثِلة للقائمة التي شكّلها «منافِسه» في الحزب نفسه نوري المالكي, وإن ليس باسم «حزب الدعوة» الذي يجمعهما في عضويَته, لكن موازين القوى داخل الحزب ورغبة كل منهما في ان يكون «الرقم واحد» على قائمة الحزب، حالت دون نزولهما باسم الحزب في كتلة واحدة ,ولكن قائمة كل منهما ستكون تحت «راية» الحزب. نيجيرفان بارزاني الذي اصطحب معه الى بغداد نائبه عن حزب الاتحاد الوطني... قوباد طالباني،( نجل الرئيس الراحل جلال طالباني شريك الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني)، يسعى الى تقليل خسائر الإقليم الفادحة التي ترتبت على اصرار عمِّه «كاك مسعود» على إجراء الاستفتاء, ما ادّى في النهاية الى وأد حلم الاستقلال وانحسار الرقعة الجغرافية التي سيطر عليها الاقليم, وبخاصة عندما ضم كركوك واجزاء واسعة من محافظة نينوى الى حدوده, معتبِرا اياها جزءا من الاقليم بعد ان كانت في نظره مجرد مناطق مُتنازَع عليها... قد عادت الى «اصحابها». امر رفضَته الحكومة المركزية في بغداد, وقامت باستعادة تلك المناطق من خلال القوة العسكرية, ملحِقة هزيمة ببيشمركة بارزاني, الذي ما يزال يُصرّ على قانونية وضرورة الخطوة التي قام بها (الاستفتاء) فضلا عن تحميله شريكه الرئيسي في حكومة الإقليم.. الاتحاد الوطني, مسؤولية خِذلانه والتواطؤ من خلف ظهره مع حكومة العِبادي, على تسهيل اجتياح الجيش العراقي لكركوك وجوارها. ما سمعه نيجيرفان بارزاني من العبادي خلال لقائهما الأول في بغداد, لم يختلف عمّا اشترطه العبادي على حكومة اربيل لحل ازمة الثقة بينهما بعد 25 أيلول الماضي, سواء في ما خص التزام حكومة الاقليم بوحدة وسيادة العراق على كامل اراضيه, وأن الاقليم جزء من العراق. ما رآه المراقبون «تخريجة» لعدم إصرار بغداد, على إصدار حكومة اربيل اعلانا بـ»إلغاء» نتائج الاستفتاء, ما سيُسبّب لها إحراجاً, وربما يُسقطِها من قِبل المتشددين في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة كاك مسعود، أم في إعادة تفعيل جميع السلطات في الاقليم وبضمنها المنافذ الحدودية والمطارات ووضعها تحت السلطة الاتحادية, واستكمال جميع الاجراءات الخاصة بعودة كامل السلطات والقوات الاتحادية لها. على ما نقلَت وسائل الإعلام العراقية المختلفة.. اضافة بالطبع الى حصر تصدير النفط من الحقول التي تقع داخل الاقليم... في السلطات الاتحادية. واذ لا تبدو حكومة بارزاني في وارد رفض مثل هذه المطالب/ الشروط, بعد ان كانت اعلنت في شهر تشرين الأول الماضي «احترامها الدستور العراقي, والتزامها قرار المحكمة الاتحادية العليا في شأن وحدة الاراضي العراقية»، فإن السؤال الذي اثاره كثيرمن المراقبين هو «سِرّ» تراجع العبادي عن رفض الاجتماع بأي وفد «حكومي» كردي، قبل صدور اعلان إلغاء نتائج الاستفتاء, حيث تبيّن لاحقا ان «الاميركيين» دخلوا على خط «الوساطة» من خلال المبعوث الرئاسي الاميركي للحرب على داعش في سوريا والعراق بريت ماكغورك, بزيارته اربيل الاسبوع الماضي وحمله رسالة «شفوية» من ترمب, تحث الكرد على انهاء الازمة وتطبيق الدستور العراقي, وسط بروز مؤشرات ايجابية من بغداد, باستعدادها صرف رواتب موظفي الاقليم. التفاؤل الذي ابداه الرئيس العراقي فؤاد معصوم ازاء اللقاء الذي تم بين العبادي وبارزاني, واعتباره «ان مؤشرات الاتفاق النهائي بين اربيل وبغداد بدأت تلوح في الافق»، تشي بأن ثمة ترتيبات وتوافقات «حتى لا نقول.. صفقات»، قد تمت في الخفاء, حيث تروج شائعات بان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي, سعى في الأثناء الى «مغازَلة» حكومة وبعض قوى الإقليم في الشأن الانتخابي.. بالطبع, ما اثار شكوك العبادي ومخاوِفِه, وربما سرّع في استجابته للضغوط و الوساطات الاقليمية والدولية, التي لم تتوقف منذ انهيار مشروع الإستفتاء وتواصل تبعاتِه الكارثية, بعد ان اظهرت دول الجوار «الكردستاني» تناغما وتنسيقا غير مسبوق في المسألة الكردية. تحرّك كردي في اتجاه طهران ايضاً, لفت انظار المتابعين للشأن الكردي. وهو مواصلة نيجرفان رحلته البغدادية الاولى بعد الاستفتاء الى طهران, واجتماعه بالرئيس الايراني حسن روحاني, الذي اكّد على ان «اقليم كردستان يشكل جزءا مهما من اراضي العراق, ويضطلع بدور ومسؤولية مهمة في تعزيز الاستقرار والامن هناك»، مشدّدا على «ضرورة عدم السماح بتقويض الاستقرار والامن بأي ذريعة». ما يشي بان ثمة رغبة مشتركة عراقية – ايرانية في تنفيس الاحتقان وتهيئة الاجواء لانتخابات برلمانية عراقية, قد تكون الاكثر سخونة منذ الاحتلال الاميركي للعراق.. قبل عقد ونصف، فضلا عن تطلعهما لمتابعة التطورات الدراماتيكية التي تجري على الساحة السورية, بعد الاجتياح التركي لمدينة عفرين العربية السورية. ذلك الاجتياح الذي حمل اسم «غصن الزيتون» والذي توعد فيه اردوغان بأن «تواصِل قواته الإندفاع, حتى الوصول الى الحدود العراقي